كلما مضى وقت فتزداد قلوبهم لينا ورقّة وخشوعا. ومنهم من يقول : إنما كان كذلك ؛ لأن وجد يعقوب كان أكثر من وجد يوسف ؛ لذلك كان أجابهم يوسف وقت سؤالهم العفو ؛ وأخر يعقوب إلى وقت.
قال الشيخ أبو منصور ـ رحمهالله ـ : والوجه فيه عندنا ـ والله أعلم ـ : أنهم إنما سألوا يعقوب ؛ وطلبوا منه الاستغفار من ربهم ؛ ليكون لهم شفيعا ؛ فأخر ذلك إلى وقت الاستغفار والشفاعة ؛ إذ ليس كل الأوقات يكون وقتا للاستغفار ، وطلبوا من يوسف العفو منه ؛ فعفا عنهم وقت طلبهم منه العفو ؛ لهذا الوجه ، يحتمل أن يخرج معناه. والله أعلم.
أو أن يكون يعقوب أخّر الاستغفار ؛ لأن الذنب في ذلك كان بينهم وبين ربهم ؛ فأخر (١) إلى أن يجيء الإذن من ربه ، وأما الذنب في (٢) يوسف ؛ ففيما بينهم وبين يوسف ؛ فعفا عنهم في ساعته.
ويحتمل قوله : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي).
إن استغفرتم [أنتم](٣) ، أو قال : سوف أستغفر لكم ربي ؛ إذا جاء وقته ؛ وهو ما قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : إنه [أخر وقت الاستغفار](٤) إلى وقت السحر ، أو أن يكون أخره إلى أن يقدم شيئا بين [يدي](٥) الاستغفار والشفاعة ؛ ليكون أسرع إلى الإجابة.
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)(١٠٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ).
ظاهر هذا أن يوسف كان تلقّاهم خارجا من المصر ؛ فقال لهم : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ
__________________
(١) في أ : وأخر.
(٢) في أ : من.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : أخره.
(٥) سقط في ب.