يحتمل استيئاسهم عن إيمانهم ؛ لكثرة ما رأوا من اعتنادهم الآيات وتفريطهم في ردها ؛ أيسوا عن إيمانهم ، أو كان إياسهم بالخبر عن الله أنهم لا يؤمنون ؛ كقوله : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ...) الآية [هود : ٣٦] وأمثاله.
وقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قال بعضهم : وظن الرسل أن أتباعهم الضعفة قد كذبوهم ؛ لكن هذا إن كان من الرسل فهو ظن من الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ؛ [لكثرة ما أصابهم من الشدائد ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، فوقع عند الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم وإن كان من الأعداء فقد استيقن الرسل أنهم كذبوهم](١).
وروى عن عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة ؛ قال : فقلت : أرأيت قول الله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) أو (كُذِبُوا) قال : فقالت : بل كذّبهم (٢) قومهم ، قال : فقلت : [أرأيت قول الله (حَتَّى)](٣) والله لقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ؛ وما هو بالظن ؛ فقالت : يا عروة لقد استيقنوا بذلك ، قال : قلت : فلعلهم ظنوا أن قد كذبوا ، قالت : معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها (٤) ، [قال] : وما هذه الآية؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ؛ وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر ؛ حتى إذا استيأست الرسل ممن كذبهم من قومهم ؛ وظنوا أن أتباعهم قد كذبوهم ؛ جاءهم نصر الله عند ذلك (٥).
وقال بعضهم : حتى إذا استيأس الرسل عن إيمان قومهم ؛ وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما أوعدوا من العذاب أنه نازل بهم ؛ لما أبطأ عليهم العذاب (٦).
وقال بعضهم : وظنوا أنهم ؛ أي ظن قومهم ؛ أن رسلهم قد كذبوهم خبر السماء جاءهم نصرنا.
فإن كان الآية في أتباع الرسل ؛ على ما ذكر بعضهم ؛ فهو كقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [البقرة : ٢١٤].
فإن كانت (٧) في غيرهم من المكذبين ؛ فقد جاء الرسل نصر الله.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : كذبوهم.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : بها.
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٢٢) (٢٠٠٣٢ ، ٢٠٠٣٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٧٦) وزاد نسبته لأبي عبيد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طريق عروة عن عائشة.
(٦) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣١٦) (١٩٩٩٦ ، ٢٠٠٠٢ ، ٢٠٠٠٤) عن ابن عباس.
(٧) في ب : وكان.