الذي ذكر وبلغ المبلغ الذي ذكر لو علم أن عاقبته كما كان ما أنفق عليه ، أو لو علم أنه لا ينتفع به ما أنفق تلك النفقة ، أي : لو علم أن سروره وابتهاجه به لا يبقى ولا يدوم إلى آخره ما تكلف ذلك ، أو لو علم أنها تزول عنه وتنقطع عن تلك السرعة ما أنفق ذلك وما تكلف الذي تكلف.
ويحتمل ضرب مثل الحياة الدنيا بما ذكر من النبات وجهين :
أحدهما : يخبر عن سرعة زوالها وانقطاعها كالنبات [الذي ذكر أنه يتسارع إلى الزوال والانقطاع لما يصيبه من الآفة فعلى ذلك الدنيا.
والثاني يخبر عن تغيرها وانقلاب أمرها كالنبات](١) الذي يتغير في أدنى مدة ووقت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) قيل : حسنها ، وازينت وحسنت فأنبتت من ألوان النبات.
وقال أبو عوسجة : زخرفها : زينتها من النبت ، و (حَصِيداً) أي : محصودا كما يحصد الحصاد ، والحصاد : الزرع ، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي : لم تعش ، [والمغاني هي](٢) المواضع التي يعيش فيها الناس ، قال : وواحد المغاني مغنى.
وقال القتبي (٣) : وأصل الزخرف الذهب ؛ يقال للنقش والذهبة وكل شيء زين : زخرف ، وقال : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) والمغاني : المنازل واحدها مغنى.
وقال بعضهم : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي : لم تنغم.
وقيل : لم تعمر.
وقال بعضهم : هو من الغنى ، أي : كأن لم تكن غنيا بالأمس ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) أي : ظن أهل الدنيا فيما ينفقون أنهم قادرون على تلك النفقة ، كما ظن صاحب الزرع أنه قادر على ذلك الزرع.
وقوله : (أَتاها أَمْرُنا) قيل : عذابنا سمي أمرا ؛ لأنه بأمره أتاه ، وفيه أنه لم يأته عن غفلة وسهو ، ولكن عن علم وأمر ؛ عظة لهم وتنبيها ؛ ألا ترى أنه قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) كأن الآيات في هذا الموضع المواعظ ، أي : فيما ذكر من ضرب مثل الحياة الدنيا بالنبات والزرع الذي ذكر عظة وتنبيه لمن تفكر فيه ، والله أعلم.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في أ : والثاني هو.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (١٩٥).