قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ).
قوله : (رَفَعَ) أى : أنشأها مرفوعة ؛ لا أنها كانت موضوعة فرفعها ؛ ولكن جعلها في الابتداء مرفوعة ، وكذلك قوله : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) [الرحمن : ١٠] (مَدَّ الْأَرْضَ) [الرعد : ٣] (وَالْجِبالَ أَرْساها) [النازعات : ٣٢] ونحو ذلك ؛ أي : أنشأها مرفوعة ممدودة ؛ لا أنها كانت مرفوعها فوضعها ، أو كانت منقبضة فبسطها ؛ ولكن أنشأها (١) كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها).
قال بعضهم (٢) : هي بعمد لكن لا ترونها ؛ أي : ترونها بغير عمد وهي بعمد.
وقال بعضهم (٣) : هي بغير عمد على ما أخبر ؛ ولكن اللطف والأعجوبة بما يمسكها بعمد لا ترى ؛ كاللطف والأعجوبة فيما يمسكها بغير عمد ؛ لأن في الشاهد لم يعرف ؛ ولا قدر على رفع سقف فيه سعة وبعد بغير عمد لا ترى ، لكن ما يرفع إنما [يرفع بعمد](٤) ترى ؛ فاللطف في هذا كاللطف في الآخر.
وفيه دلالة قدرته على البعث ؛ لأنه (٥) ذكر هذا ثم قال : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي : من : قدر على رفع السماء ـ مع سعتها وبعدها ـ بلا عمد ؛ لقادر على إعادة الخلق ؛ وبعثهم ؛ وإحيائهم بعد الموت ، بل رفع السماء مع سعتها وبعدها ، بلا عمد ، أكبر من
__________________
(١) في ب : أنشأ.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٠٥٢ ، ٢٠٠٥٣ ، ٢٠٠٥٨ ، ٢٠٠٥٩) وعن مجاهد (٢٠٠٥٤ ، ٢٠٠٥٧) وانظر الدر المنثور (٤ / ٨١).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٠٠٦١) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٨١).
(٤) في ب : يرفع بغير عمد.
(٥) في أ : لأن.