بعد الموت أعجب ؛ إذ قد رأوا وشاهدوا من قدرة الله وآياته ؛ ما لو تفكروا وتأملوا ولم يعاندوا ، عرفوا أنه قادر على ذلك كله ؛ فوصفهم الله تعالى بالعجز ؛ وأنه لا يقدر على البعث والإحياء بعد الهلاك ـ أعجب من تكذيبهم إياك في الرسالة ، ولم يكن سبق منك إليهم ما يوجب رسالتك وتصديقك ، وقد سبق من الله إليهم ـ ما يعرفهم قدرته على ذلك ؛ وعلى أكثر منه.
وأصله ـ والله أعلم ـ وإن تعجب لإنكارهم رسالتك وتكذيبهم إياك ؛ ولم يكن منك إليهم حقيقة الهداية والنعم والآيات والحجج ، وإنما كان منك البيان والدعاء ؛ فأعجب : قولهم في إنكارهم قدرة الله على البعث ؛ وقولهم في الله سبحانه ما قالوا فيه ؛ بعد معرفتهم حقيقة ذلك كله ؛ بالله إليهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ).
يشبه أن يكونوا لما كفروا بالبعث ؛ كان كفرهم بالبعث كفرا بالله ؛ لأنهم عرفوه عاجزا ، حيث قالوا : لا يقدر على بعث الخلق ، ومن عرف ربه عاجزا ـ فهو لم يعرف الرب الحقيقة ؛ والإله الحقيقة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ).
قال بعضهم : صار الكفر في أعناقهم أغلالا ؛ حيث أنكروا الرسالة في البشر ، ثم جعلوا الأصنام والأوثان معبودهم ؛ يعكفون عليها (١) ويخضعون ؛ فذلك هو الأغلال في أعناقهم.
وقال بعضهم : قوله : (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ).
في الآخرة كقوله : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ...) الآية [الحاقة : ٣٠] (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ).
الاستفعال يكون على وجهين : يكون طلب الفعل ويكون الفعل نفسه ؛ كقوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] قيل : أجيب لكم ، وقوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي)
__________________
(١) في أ : لها.