ويحتمل : أن يكون المراد من السجود سجود الخلقة : فيسجد له خلقة كل أحد. فإن قيل : ما معنى الغدوّ والآصال؟ قيل : يحتمل : أبدا دائما : ليس على مراد (١) الوقت ؛ ولكن على الأوقات كلها.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ)(١٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ).
أمره أن يسألهم : من رب السموات والأرض؟ ثم أمره أن يجيب هو لهم ؛ فيقول الله وهو في الظاهر دعوى ، أكثر ما في هذه الآية دعوى ، وبعضه حجاج ، وهو قوله : (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، وقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) لأنهم يقرون بهذا ؛ لا يخلقون كخلقه ؛ ولا يملكون دفع الضر ؛ ولا جرّ النفع.
وقوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
(قُلْ) إنما أمره أن يسألهم من رب السموات والأرض ، ولم يقل من ربكم فإنما [أمره أن يسألهم](٢) ما لا يتجاسرون أن يقولوا الأصنام التي يعبدونها هي أرباب السموات والأرض فلا بد أن يقروا الله رب السموات والأرض ، فإذا أقروا بهذا أنه رب السموات والأرض قد دخل ما في السموات والأرض في ربوبيته ، إذ السموات والأرض ، إنما خلقهما لأهلهما ؛ فإذا كان ربّ السموات والأرض ـ كان ربّ ما فيهما.
وقال بعضهم : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) أمره أن يسألهم ثم يسبقهم بالإجابة ؛ لأنه هو السابق بكل خير ، وهم يجيبون له أنه رب السموات والأرض.
دليله : حرف أبي وابن مسعود وحفصة ؛ حيث قرءوا من رب السماوات والأرض قالوا الله يدل إنه أمره أن يسبقهم بالإجابة ، كما كان هو السابق على كل خير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ).
يقول ـ والله أعلم ـ إذا أقررتم أن رب السموات والأرض هو الله ؛ وهو الإله ؛ فكيف
__________________
(١) في أ : المراد.
(٢) سقط في ب.