وقال قتادة : قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) الصغير بصغره والكبير بكبره.
(فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) يقول : رابيا (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) والجفاء : ما يتعلق بالشجر من الزبد ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ؛ فضرب المثل للحق والباطل.
يقول ـ والله أعلم ـ كما اضمحل هذا الزبد ؛ الذي ظهر فوق الماء ؛ فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته ، كذلك يضمحل الباطل عن أهله ؛ كما اضمحل هذا الزبد ؛ وكما مكث هذا الماء في الأرض ، وقر قرارها فأمرعت ورجيت بركته كذلك ، وأخرجت له نباتها ؛ كذلك يبقى الحق لأهله ؛ كما بقي هذا الماء في الأرض.
(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) يقول : يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار ؛ وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله.
(أَوْ مَتاعٍ) يعني هذا الحديد والصفر (١) الذي ينتفع به ؛ وفيه منافع ، يقول : كما بقي خالص هذا الحديد وهذا الصفر ؛ حين أدخل النار وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله كما (٢) بقي خالصهما.
وقال الكلبي : قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو القرآن ؛ فاحتمله القلوب بأهوائها ؛ ذو (٣) اليقين على قدر يقينه ، وذو الشك على قدر شكه ؛ فاحتملت الأهواء باطلا كثيرا وجفاء : فالماء هو الحق ، والأودية هي القلوب ، والسيل الأهواء ، والزبد الباطل ، والحق المتاع والحلية.
قال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فالزبد وخبث الحديد وخبث المتاع : هو الباطل ؛ من أصاب من هذا شيئا لم ينتفع به ، فكذلك الباطل يوم القيامة لا ينتفع بباطله. وأمّا الحلية والماء والمتاع : فهو الحق ؛ من أصاب شيئا منه انتفع به ، وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع بالحق. أما الحلية : فالذهب والفضة ، وأما المتاع : فالصفر والحديد والرصاص والنحاس ، ونحوه ، ليس شيء من هذا ينتفع به حتى يدخل النار ؛ فيميز صفوه من خبثه.
وقال الحسين بن واقد : وهو قول مقاتل ؛ ضرب الله مثل الكفر والإيمان ؛ ومثل الحق
__________________
(١) في أ : والصهر.
(٢) في أ : ما.
(٣) في أ : دون.