والباطل ، فقال : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) ، سال الوادي الكبير على قدر كبره ؛ والصغير على قدر صغره ؛ فاحتمل السيل زبدا رابيا أي : عاليا ، ثم قال : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) ؛ الذهب والفضة ، ثم قال : (أو متاع) الشّبه والحديد والصفر والرصاص ، (زبد مثله) : أي : للسيل زبد مثله لا ينتفع به ؛ [والماء ينتفع به](١) ، وللحلي والمتاع أيضا زبد مثل زبد السيل ؛ إذا أدخل النار ؛ وهو خبثه لا ينتفع به والحلى والمتاع ما خلص منهما ينتفع به فمثل الأودية مثل القلوب ومثل السيل مثل الأهواء ومثل الماء والحلي والمتاع الذي ينتفع به مثل [الحق ، ومثل زبد الماء وخبث الحلي والمتاع الذي لا ينتفع به مثل](٢) الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا ؛ فكذلك الحق ينفع أهله في الآخرة ؛ وكما لا ينفع الزبد ؛ وخبث الحلي ؛ وخبث المتاع أهله في الدنيا ؛ فكذلك الباطل لا ينفع أهله في الآخرة (كَذلِكَ) أي : هكذا يضرب الله الأمثال ، أي : يبين الله ما ذكر من مثل الحق والباطل ، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) قال : يعني يابسا ؛ فلا ينتفع به ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء ؛ (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فيسقون ويزرعون عليه وينتفعون به.
فهذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد ؛ يقول : هكذا يبين الله الأمثال والأشباه (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) أي : أجابوا (لِرَبِّهِمُ) في الدنيا ؛ بالإيمان والتوحيد (الْحُسْنى) لهم ؛ وهي الجنة في الآخرة.
ضرب الله مثل الإيمان والحق ؛ ووصفهما بالثبات والقرار والطيب ؛ بالأرض الطيبة مرة ؛ وشجرة طيبة ثانيا ، وضرب مثل الكفر والباطل ؛ بالأرض الخبيثة ؛ والشجرة الخبيثة ، ووصفهما بالخبث والذهاب ؛ فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ...) [إبراهيم : ٢٤ ، ٢٥] وقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) [إبراهيم : ٢٦] وقال : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...) الآية [الأعراف : ٥٨] وضرب مثل المؤمن مرة بالبصير والسميع ، ومثل الكافر بالأعمى والأصم ؛ فقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) [هود : ٢٤] وضرب مثل الكفر ؛ مرة بالظلمات ؛ ومرة بالرماد والموت ، ومثل الإيمان بالنور والضياء والحياة ؛ ونحوه.
فهذه الأمثال التي ضرب الله ـ عزوجل ـ تخرج كلها مخرج الدعوى في الظاهر ؛ إذ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.