ليس فيها بيان الحق منها ؛ وبيان المحق من غير المحق ؛ سوى أن فيها : هل يستوي ذا مع ذا؟ لا يستوى على ما ذكر ، وهل يستوي الطيب والخبيث ؛ أو البصير والسميع [أو](١) الأصم والأعمى ؛ أو الميت [و](٢) الحي ؛ أو الظلمات والنور؟ وأمثاله ، هذا كله غير مستو. وكل أهل الأديان وإن ـ اختلفت مذاهبهم ـ يقول كل : أنا الذي عليه هو الحق ؛ والباطل هو الذي عليه غيري ، وينفى كل عن نفسه العمى والصمم (٣) ؛ وكونه في ظلمة ؛ ويدعي كونه في النور ؛ ونحوه. فليس في نفس الأمثال التي ضربت بيان الحق من الباطل والمحق من غيره ؛ فذلك يعرف بغيرها بالدلائل والحجج والبراهين ؛ وهو ما ذكر (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ...) الآية [العنكبوت : ٤٣] فبالدلائل والحجج والبراهين يعرف الحق من الباطل والمحق من غير المحق ؛ فللإيمان والحق دلائل وحجج يعرف ذوو العقول ـ بالعقول ـ حسنه وطيبه ، وما يعقب من ثمرته ، ويبين قبح الكفر والباطل لذوى العقول بالعقول ، واستخباثهم الباطل ؛ وما يعقبه (٤) لأهله من الخبث والقبح والشرّ.
وقال القتبي (٥) : (زَبَداً رابِياً) أي : عاليا على الماء (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أي : حلي أو متاع آنية يعنى من فلزّ الأرض وجواهرها ؛ مثل الرصاص والحديد ؛ ونحوه ، والذهب والفضة ؛ حيث تعلوها ـ إذا أذيبت ـ مثل زبد الماء. والجفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته ؛ يقال : أجفأت القدر بزبدها : إذا ألقت زبدها عنها.
وقال أبو عوسجة : (رابِياً) : أي : مرتفعا فوق ظهر الماء ؛ وهو واحد ، ويقال : زبد الماء : إذا صار له زبد (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) هو من الحلي ؛ من الذهب والفضة ؛ مما يتحلى به ؛ (فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي : باطلا لا ينتفع به ، وأما الجفاء : فهو إظهار التهاون بالإنسان ؛ وقلة الاكتراث له ؛ والاستخفاف به. وقال : الجفاء هو الغثاء ، ويقال : قد أجفأ (٦) الوادي : إذا علاه ذلك ثم جرى به الماء.
قال أبو عوسجة : والغثاء ـ عندي ـ : ما حمله السيل ؛ من العيدان والبعر ؛ وما يشبه ذلك.
وقال القتبي (٧) : قوله : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) [الأعلى : ٥] أي : يبسا.
قال أبو عبيد (٨) : الجفاء الجمود ، ويذهب إلى أن الزبد يجمد ويجتمع على الماء ، ثم
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : الصم.
(٤) في أ : يعقب.
(٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٢٧).
(٦) في أ : انجفا.
(٧) ينظر : تفسير غرايب القرآن (٥٢٤).
(٨) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٢٩).