[وقوله : (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) يحتمل وجهين. يحتمل : ابتغاء رضوان الله.
ويحتمل : ابتغاء وجه يكون لهم عند الله](١) ، وهو المنزلة والرفعة ، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة : وجيها كقوله : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [آل عمران : ٤٥] أي : ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة. وعلى ذلك يخرج قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] أي : ثمّ الجهة التي أمر الله أن يتوجه إليها ، فعلى ذلك هذا (صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي : ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم ؛ أو ابتغاء رضوان الله ومرضاته والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ).
أي : داموا على إقامتها ؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها ؛ ولكن داموا على إقامتها ، وعلى ذلك قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [الانعام : ٧٢] أي : دوموا على إقامتها. ويحتمل قوله : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي : جعلوها قائمة أبدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً).
يحتمل كل نفقة : الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده ، (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي : ينفق في كل وقت ؛ سرّا من الناس وعلانية منهم أي : ينفق على جهل من الناس ؛ وعلى علم منهم ؛ ينفقون على كل حال ؛ لا يمنعهم علم (٢) الناس بذلك عن الإنفاق ، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ).
أي : يدفعون بالحسنة السيئة ، ثم يحتمل وجهين :
أحدهما : يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم ؛ كقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ ...) الآية [فصلت : ٣٤]. والثاني : يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف ، ولا يكافئون بالسيئ السيئ ؛ وبالشر الشر ؛ ولكن يدفعون بالخير.
وقال بعضهم : في قوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي : إذا سفه عليهم حلموا ،
__________________
ـ المالك في تصرفه في ملكه ، فهذا هو الذي يصدق عليه أنه صبر ابتغاء وجه ربه ؛ لأنه صبر لمجرد طلب رضوان الله.
ينظر : اللباب (١١ / ٢٩٤).
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في ب : حال.