وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : «الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب» (١).
فلا ندري ما الزيادة التي ذكرها عزوجل في الآية إلا بالخبر عن الله.
وقال قائلون : الحسنى ما تقدره العقول وتدركها وتصورها الأوهام ، وأما الزيادة فهي التي لا تقدرها العقول ولا تدركها ولا تصورها الأوهام ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) قيل : لا يغشى وجوههم الغبار والريح (٣) على ما وصف وجوه أهل النار ، وهو قوله : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [عبس : ٤٠ ـ ٤١] ، ولكن على ما وصف وجوه أهل الجنة بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) [عبس : ٣٨ ـ ٣٩] ، وذلك ـ والله أعلم ـ آثار إحسانهم التي أحسنوا في الدنيا ، ولما لم يروا النعم التي كانت لهم من سواه ولم يصرفوا شكرها إلى غيره ، والغبرة والقترة التي ذكر لأهل النار هي آثار السيئات التي عملوها في الدنيا من عبادتهم دون الله وصرفهم شكر النعم إلى غيره ونحو ذلك من صنيعهم الذي صنعوا في الدنيا ، والله أعلم.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٣٠)
وقوله : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) : جزاء سيئة (٤) مما يوجبه الحكمة أن
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٥٢) (١٧٦٤٩ و ١٧٦٥٠ و ١٧٦٥١) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٤٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي في «الروية» من طريق الحكم بن عتيبة عن علي.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٤٤) وأطرافه في (٤٧٧٩ ـ ٤٧٨٠ ـ ٧٤٩٨) ومسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة وصفة نعيمها (٢ / ٢٨٢٤).
(٣) ذكره البغوى في تفسيره (٢ / ٣٥١) ، وكذا الرازي (١٧ / ٦٤). وفي أ : لا يغشى وجوههم النار والوهج.
(٤) والفرق بين الحسنات والسيئات : أنه إذا زاد في الحسنات يكون تفضلا ، وذلك حسن ، وفيه ترغيب في الطاعة ، وأما الزيادة على قدر الاستحقاق على السيئات ، فهو ظلم ، والله منزه عنه ، ثم قال : ـ