يجعل له أجلين ؛ وهو عالم بما يكون ؛ فإنما جعله أجله بالذى علم أنه يكون منه ؛ في الوقت الذي جعله ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا).
في قولهم تناقض من وجهين :
أحدهما : أنهم تركوا طاعة رسلهم واتباعهم ؛ لأنهم بشر مثلهم ؛ [ثم أطاعوا آباءهم واتبعوهم في عبادة الأصنام ، وهم بشر مثلهم](١) حيث قالوا : (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) فذلك تناقض في القول.
والثاني : أنهم لم يروا الرسل متبوعين ؛ [لأنهم](٢) بشر ثم لا يخلوهم بأنفسهم من أن يكونوا متبوعين استتبعوا غيرهم دونهم ، أو كانوا أتباعا لغيرهم ؛ حيث قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] فذلك تناقض في القول.
(فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ).
سألوا الحجة على ما دعوا إليه من ألوهية الله تعالى وربوبيته ، أو على ما ادعوا من الرسالة من الله ، وفي كل شيء وقع عليه بصرهم دلالة وحدانية الله وألوهيته ، لكنهم سألوا ذلك سؤال تعنت وعناد ، وكذلك قد أقاموا الحجج على ما ادعوا من الرسالة ؛ لكنهم تعاندوا وكابروا في ردّ ذلك فسألوا سؤال آية وحجة ؛ تضطرهم وتقهرهم على ذلك ، أو يكون عند إتيانها هلاكهم ؛ فأجابهم الرسل فقالوا : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : ما كان لنا أن نأتيكم بآية تكون بها هلاككم ؛ إنما ذلك إلى الله : إن شاء فعل ؛ وإن شاء لم يفعل.
وقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
أي : ما نحن إلا بشر مثلكم ، [ولكن الله يمن على من يشاء ، في دلالة](٣) رد قول الباطنية ؛ لأنهم ينكرون كون الرسالة في جوهر البشرية ؛ ويقولون : إنما تكون الرسالة في جوهر الروحانية ؛ فهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إنما أجابوا قومهم ؛ حيث قالوا لهم : ما أنتم إلا بشر مثلنا ؛ وقولهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) لم يذكروا شيئا سوى البشرية ؛ فدل أن قول الباطنية باطل ؛ حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
(وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.