فيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يختص أحدا بالرسالة ؛ إلا من كان منه ما يستحق به الرسالة ؛ وهم صلوات الله عليهم ؛ لم يذكروا سوى منة الله عليهم ، دل أنه يمن عليهم ويختصهم ؛ لا بشيء [من الاستحقاق و](١) يكون منهم من الأعمال ؛ ولكن بالمنة (٢) والفضل منه عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
هو ما ذكرنا : الإذن موضوعه الإباحة ، هو مقابل الحجر ؛ لكن الإذن المذكور في القرآن ليس كله على وجه واحد ؛ ولكن يتجه في كل موضع ويحتمل على ما يليق (٣) به ، قال الله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٥١] أي : بنصر الله ؛ لأن الهزيمة هي موضع النصر ؛ تحمل عليه ، وقال : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ٤٩] أي : بإنشاء الله ؛ [فعلى ذلك الإذن هاهنا ؛ حيث قال : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بإنشاء الله](٤) السلطان وإجرائه على أيدينا.
ويحمل الإذن المذكور في القرآن على ما يصلح ويليق بما تقدم ذكره.
ويحتمل الإذن هاهنا الأمر ؛ أي : بأمر الله نأتي أي : إن أمرنا الله بذلك نأتى به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
يشبه أن يكون ذكر هذا على إثر وعيد وأذى كان منهم إليهم ؛ فقالوا : على الله يتكل ويعتمد المؤمنون في دفع وعيدكم وأذاكم.
وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : على الأمر ؛ أي : على الله توكلوا أيّها المؤمنون ؛ في جميع ما يتوعدكم أهل الكفر ؛ وفي جميع أموركم.
ويحتمل على الإخبار عن صنيع المؤمنين أنهم إنما يتوكلون على الله ، [وبه يعتمدون](٥) في جميع أمورهم ؛ ومنه يرون كل خير وبرّ ، لا بالأسباب التي لهم ولا يرون منها. وأما أهل الكفر فإنما يتوكلون ويعتمدون بالأسباب ؛ ومنها يرون كل سعة وخير. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ).
كأن هذا يخرج على إثر جواب كان منهم ؛ لما قال الرسل : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : المنة.
(٣) في أ : يتعلق.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : ويعتمدون به.