[الأنفال : ٣٠] ونحوه.
ثم في وعيدهم الذي أوعدوا الرسل وجوها ثلاثة حيث تجاسروا إقبال الرسل بمثل هذا الوعيد ومع الرسل آيات وحجج :
أحدها : أنهم رأوا أنفسهم مسلّطين على أولئك ؛ قاهرين عليهم ، وكانوا أهل كبر وتجبر ؛ ألا ترى أنه قال : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [إبراهيم : ١٥] دل هذا أنهم كانوا رأوا أنفسهم ـ كما ذكرنا ـ أهل تسليط وتجبر.
والثاني : قالوا ذلك لهم ؛ لما لم يكن عندهم ما يدفعون حجج الرسل وبراهينهم ؛ فهمّوا قتلهم وإخراجهم ؛ لعجزهم عن دفع ما ألزمهم الرسل ، وهكذا الأمر المتعارف بين الخلق : أنّ الخصم لا يقصد إهلاك خصمه ؛ ما دام له الوصول إلى الحجاج ؛ فإذا عجز عن ذلك فعند ذلك يهمّ بقتله ويقصد إهلاكه.
والثالث : جواب الرسل إياهم عند القول إليه بالقول الذي ليس فوقه أحسن منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا).
الملة : الدين ؛ كقوله [صلىاللهعليهوسلم] : «لا يتوارث أهل الملتين» (١) وقوله [تعالى] : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣] أي : دين إبراهيم.
وقوله : (لَتَعُودُنَ) ليس أنهم كانوا فيها وتركوها ؛ ولكن على ابتداء الدخول فيها على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ).
وعد لهم النصر ؛ والظفر عليهم ؛ والتمكين في أرضهم مع قلة [عدد](٢) أتباع الرسل وضعف أبدانهم ؛ ومع كثرة الأعداء وقوة أبدانهم ؛ ليعلموا أنهم قالوا ذلك بوحي من الله ؛ ووعده إياهم ، لا من حيث أنفسهم ، والله أعلم. فكان على ما أخبروا ؛ فكان ذلك من آيات رسالتهم ، وما ينبغي لهم أن يطلبوا [لهم](٣) من الرسل الآيات والحجج على ما ادعوا ؛ لأنهم لم يدعوهم إلى طاعة أنفسهم أو عبادتها ؛ إنما دعوهم إلى وحدانية الله تعالى وألوهيته ، وجعل الطاعة والعبادة له دون ما عبدوها من الأصنام ، وذلك في شهادة خلقتهم ؛ وشهادة كل خلقة ؛ وإن لطف وصغر ؛ فلم يحتاجوا إلى أن يقيموا البراهين
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٥٠) كتاب الفرائض : باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ، حديث (٦٧٦٤) ، ومسلم (٣ / ١٢٣٣) كتاب الفرائض ، حديث (١ / ١٦١٤).
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.