وقال بعضهم : لا ؛ ولكن يجعل شرابهم فيها صديدا ؛ كشراب أهل الجنة وطعامهم من غير أصل.
وقوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ويحتمل : يسقى من ماء في ظنهم ماء ؛ وهو في الحقيقة صديد. ويحتمل أن يكون في الحقيقة والظاهر صديدا ؛ لكن يشربون ؛ رجاء أن يدفع عطشهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَتَجَرَّعُهُ).
قال أبو عوسجة : التجرع : ما يشربه مكرها عليه.
(وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ).
يقال : أسغته : أي : أدخلته في الحلق ؛ يقال : أسغته [فساغ ، أي : دخل سهلا من غير أن يؤذيه ، وكذلك قيل في قوله : (سائِغٌ شَرابُهُ) [فاطر : ١٢] أي : سهل في الحلق](١) وساغ في حلقه ؛ إذا دخل دخولا سهلا لا يؤذيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ).
قال قائلون : يأتيهم الغمّ والهم من كل مكان ، وكذلك المتعارف في الخلق : إذا اشتد بهم الغم والهم والشدة ، يقال : كأنك ميت ؛ أو تموت غمّا.
وقال بعضهم : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) أي : أسباب الموت ؛ ما لو كان من قضائه الموت فيها ـ لماتوا ؛ لشدة ما يحل بهم ، ولكن قضاؤه ؛ ألا يموتون فيها (٢).
(وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) موت حقيقة يستريح من العذاب.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) واعلم أن الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة :
فمنها : ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات ، كقوله تعالى : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)[الحديد : ١٧].
ومنها : زوال القوة العاقلة ، وهي الجهالة ، كقوله تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)[الأنعام : ١٢٢] ، (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)[النمل : ٨٠].
ومنها : الحزن والخوف المكدران للحياة ، كقوله تعالى (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)[إبراهيم : ١٧].
ومنها النوم ، كقوله تعالى ـ عزوجل ـ : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)[الزمر : ٤٢].
وقد قيل : النوم : الموت الخفيف ، والموت : النوم الثقيل ، وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل ، والسؤال ، والهرم ، والمعصية ، وغير ذلك ، ومنه الحديث : «أول من مات إبليس ؛ لأنه أول من عصى».
وحديث موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين قال له ربه : «أما تعلم أن من أفقرته فقد أمته؟».
ينظر : اللباب (١١ / ٣٦٠).