دون الثانى ؛ يحصل خلقهما للفناء ، وذلك خارج عن الحكمة ؛ وهو ما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].
وقال قائلون : للحق الذي وجب له عليهم بالامتحان والابتلاء ، خلقهما للشهادة له على الممتحن.
أو يقول : خلقهما بالحق : أي : بالحكمة. وقوله : (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).
أن كان الخطاب [به](١) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فيصير كأنه قال : قد رأيت وعلمت أن الله خالق السموات والأرض بالحق.
وإن كان الخطاب به لغيره من أولئك يقول : اعلموا أن الله خلق السموات والأرض بالحق ؛ لم يخلقهما عبثا باطلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).
قال بعض أهل التأويل : هذه المخاطبة يخاطب بها أهل مكة ؛ يذكر قدرته وسلطانه على بعثهم بعد الموت والهلاك ؛ يقدر على إذهابكم وإهلاككم ، ويقدر أيضا أن يأتى بغيركم ، فعلى ذلك : يقدر على بعثكم بعد مماتكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).
قال أهل التأويل : أي : عليه هين يسير ، ولكن عندنا ـ والله أعلم ـ : (وَما ذلِكَ) : أي : ذهابكم وفناؤكم عليه ليس بشديد عليه ولا شاقّ ؛ ليس كملوك الأرض إذا [ذهب](٢) شيء من مملكتهم يشتد ذلك عليهم ، فأمّا الله سبحانه وتعالى لا يزيد الخلق في سلطانه ولا في ملكه ؛ ولا ينقص فناؤهم وذهابهم منه شيئا ؛ كقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [آل عمران : ٥٤] أي : شديد عليهم وهو ما وصفهم ـ عزوجل ـ : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ذكر مكان العزة الشدة ، ومكان الذلة ـ هاهنا ـ الرحمة.
أو أن يكون قوله : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي : ما بعثكم وإحياؤكم بعد الممات على الله بشاقّ ولا شديد.
قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.