وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ).
وعلى قول المعتزلة : لا يقدر أن يفعل ما يشاء ؛ لأنهم يقولون : شاء إيمان جميع البشر ؛ ولكنهم لم يؤمنوا ؛ وكذلك قال : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٦] وهم يقولون : أراد إيمانهم ؛ لكنه لم يفعل ما أراد ؛ ولا يملك ، وقد أخبر أنه : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) و (ما يَشاءُ) وهم يقولون : لم يملك [أن يفعل](١) ما شاء وأراد ، بل العباد يقولون ما شاءوا غير ما شاء هو ، فتأويلهم خلاف لظاهر القرآن. والله أعلم.
وقوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) على تأويل من يقول : إن الكلمة الطيبة هي القرآن ، يكون القول الثابت هو القرآن.
يقول ـ والله أعلم ـ يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا ؛ حيث تلقوه بالإجابة والقبول والعمل به ، وفي الآخرة ؛ أي : بالآخرة والبعث ؛ يقرون به ، (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) ؛ حيث تركوا الإجابة له ، وتلقوه بالرد ، والمكابرة ، والعناد.
ومن يقول : الكلمة الطيبة : التوحيد والإيمان ـ يكون القول الثابت : هو الإيمان ؛ يثبتهم في الحياة الدنيا باختيارهم ؛ وفي الآخرة ، قيل : في قبورهم ؛ يثبتهم لإجابة منكر ونكير ، ويمكن لهم ذلك ، ويضل الله الظالمين الذين تركوا الإجابة له في الحياة الدنيا وفي القبور ؛ حيث تركوا الإجابة في الدنيا.
ويحتمل أن يكون قوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ؛ هو ما ذكر ، (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس : ٢٥] ثبت من أجاب الله إلى ما دعا في الدنيا ، وفي الآخرة يهديه الطريق الذي به يوصل إلى دار السلام ، والكافر حيث ترك إجابته إلى ما دعاه ، ويضله في الآخرة طريق دار السلام ؛ بترك إجابته في الدنيا. والله أعلم بذلك.
وقوله : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) في هداية من اختار الإجابة والاهتداء ، وإضلال من اختار ترك الإجابة والغواية.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)(٣٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً).
__________________
(١) سقط في أ.