(يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) : أي : يوم لا يقدر أحد أن يبيع نفسه من ربه ؛ وفي الدنيا يقدر أن يبيع نفسه من ربه ؛ كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧] وقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) [التوبة : ١١١] وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا يقدر أحد بيع نفسه من ربه ، ويحتمل نفسه. قوله : (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) : أي : لا ينفعه بيع نفسه منه في ذلك اليوم ؛ وإن باع ؛ كقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام : ١٥٨] ، وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ...) الآية [غافر : ٨٤] فعلى ذلك الأول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا خِلالٌ) : هو مصدر خاللت ؛ وهو من الخلة والصداقة.
ثم هو يحتمل وجهين :
أحدهما : ألا تنفعهم الخلة التي كانت بينهم في الدنيا ؛ لأن كل خلة كانت في الدنيا مما ليست لله فهي تصير عداوة في الآخرة ؛ كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ ...) الآية [الزخرف : ٦٧] أخبر أن الأخلاء ؛ الذين كانوا يخالون في الدنيا ؛ للدنيا ـ فهم الأعداء إلا الخلة التي كانت لله ؛ فهى تنفع أهلها ؛ وهو ما ذكر ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] وأمثاله ، يخبر أن الخلة [التي](١) كانت بينهم في الدنيا ؛ لا لله ؛ فهى تصير عداوة في الآخرة ؛ حتى يتبرأ بعضهم من بعض ، ويلعن بعضهم بعضا.
والثاني : أن يكون لهم شفعاء وأخلاء ؛ ولكن لا يشفعون ؛ كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] أو يشفع لهم لكن لا تقبل ؛ كقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨].
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(٣٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) إلى آخر ما ذكر. فيه دلالة أن تدبير الله محيط متسق بجميع ما في السموات والأرض ، وعلمه محيط بجميع الخلائق ؛ حيث ذكر [أنه :](٢)(وَأَنْزَلَ مِنَ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.