قال القتبي (١) : (وَلا خِلالٌ) مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة ، والاسم الخلة والمخلة ؛ وهي الصداقة.
وقال أبو عوسجة : (وَلا خِلالٌ) : قال : من المخالة ؛ يعني المودة. (دائِبَيْنِ) : قال : يجريان أبدا ، وهو من الدوب ؛ أي : التعب.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٤١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً).
أي : مأمنا ، سمي آمنا ، لما يأمن الخلق فيه ؛ كما سمي النهار مبصرا ، والنهار لا يبصر ولكن يبصر فيه ، ومثله كثير.
ثم يحتمل قوله : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) قال بعض أهل التأويل : إنما طلب إبراهيم أن يجعله آمنا على أهله وولده خاصة ، لا على الناس كافة ؛ إذ قد سفك فيه الدماء ، وهتك فيه الحرم ؛ دل أنه جعله آمنا على أهله وولده خاصة ، ولكن لو كان ما ذكروا محتملا ـ ما يصنع (٢) بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ...) الآية [العنكبوت : ٦٧] وقوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة : ١٢٥] وغيره من الآيات.
أخبر أنه جعل تلك البقعة مأمنا للخلق يأمنون فيها.
ثم يحتمل وجهين :
أحدهما : جعله آمنا بحق الابتلاء والامتحان ، ألزم الخلق حفظ تلك البقعة عن سفك الدماء فيها ، وهتك الحرم ، وغير ذلك من المعاصي ، وإن كانوا ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يصلح ؛ كالمساجد التي بنيت للعبادة وإقامة الخيرات ـ ألزم أهلها وعلى جميع الخلائق حفظها عن إدخال ما لا يصلح ولا يحل ، ثم إن الناس قد ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يليق بها ولا يصلح ، فعلى ذلك الحرم الذي أخبر أنه جعله مأمنا.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٣).
(٢) في أ : يضع.