واحتالوا على إطفاء ذلك النور ؛ فأبى الله ذلك عليهم ، وأظهر دينه ، وأبقى نوره إلى يوم القيامة ، كقوله : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) [الصف : ٨] ، كأن مكرهم وحيلهم يرجع ـ فى أحد التأويلين ـ إلى أنفس الرسل حين هموا وتعمدوا إهلاكهم.
والثاني : يرجع إلى إطفاء الدّين ؛ [الذي](١) أتى به الرسل ؛ والنور الذي دعوا إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ).
يحتمل : عند الله جزاء مكرهم ؛ الذي مكروا برسل الله وبدينه.
[أو](٢)(وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) : أي : عند الله العلم (٣) بمكرهم ، محفوظ ذلك عنده ، لا يفوت ولا يذهب عنه شيء ؛ فيجزيهم بذلك في الآخرة.
أو (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) : أي : عند الله الأسباب التي بها مكروا ، من عند الله استفادوا ؛ وهو النعم التي أعطاهم ، والأموال التي ملكهم ، والعقول التي ركب فيهم ؛ بما قدروا على المكر والاحتيال عند الله [، ذلك كله ،](٤) والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ).
اختلف في تلاوته ، وقراءته ، وتأويله :
قرأ بعضهم (٥) : وإن كاد مكرهم بالدال ؛ وهو حرف عبد الله (٦) بن مسعود ، وأبي ، وابن عباس (٧) رضي الله عنهم. وقرأ بعضهم (٨)(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) بالنون.
ثم اختلف في قوله : (وَإِنْ كانَ).
وقال الحسن (٩) وغيره : و (إن) بمعنى : (ما) ، أى : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، قال : كان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال ، و (إن) بمعنى : (ما) كثير في القرآن ، كقوله : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٧] أي : ما كنا فاعلين ؛ وكقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [إبراهيم : ١١] أي : ما نحن إلا بشر مثلكم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : العمل.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : اللباب (١١ / ٤١٣) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٤٦) ، والبحر المحيط (٥ / ٤٢٥) ، وأخرجه ابن الأنباري ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٦٥) ، ابن جرير (٢٠٩٣٢).
(٦) في الأصول : عمرو. والصواب المثبت.
(٧) أخرجه أبو عبيد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٤ / ١٦٦).
(٨) منهم ابن مسعود أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٩٢١) ، وعلي بن أبي طالب ، أخرجه ابن المنذر وابن الأنباري عنه ، وأبى بن كعب أخرجه ابن الأنباري عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٦٥).
(٩) أخرجه ابن جرير (٢٠٩٣٧ ، ٢٠٩٣٩)