وقد تستعمل (إن) في موضع (قد) ؛ كقوله : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨] أي : قد كان وعد ربنا لمفعولا.
فمن حمله على (ما) فقد استهان بمكرهم ، واستخف به ؛ فقال : إن مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال ، والجبال أوهن وأسرع زوالا من رسالة الرسل ودين الله ، بل رسالة الرسل ؛ ودين الله [أثبت من الجبال ، لأن دين الله](١) ورسله معهما حجج الله وبراهينه ، فإذا لم يعمل مكرهم في إزالة الجبال ـ لا يعمل في إزالة دين الله ورسالة الرسل ، ومعهما الحجج والبراهين.
ومن قال : (وَإِنْ كانَ) : قد حمله على الاستعظام (٢) بمكرهم.
وعلى ذلك : من قرأ [كاد](٣) بالدال على الاستعظام بمكرهم ؛ كقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] من عظيم ما قالوا في الله كادت السموات أن تنشق ، فعلى ذلك مكرهم جميعا الوجهين : أن يستهان مرة ويستعظم ؛ إلا أن يقال : إن كلمتهم من حيث الشرك والكفر عظيمة ، ومن حيث احتيالهم ومكرهم ـ فى إزالة ذلك النور وإطفائه ـ ضعيفة. والله سبحانه أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ).
الخطاب به يحتمل ما ذكرنا : أي : لا تحسبن أن ما تأخر ؛ من نزول ما وعد ؛ أنه يخلف وعده الذي وعد رسله ؛ كما لم يكن تأخير العذاب عنهم ؛ من وقت ظلمهم عن غفلة وسهو ، ولكن كان وعده إلى ذلك الوقت ، وخلف الوعد في الشاهد من الخلق ـ إنما يكون لوجهين : أحدهما : لما لا يملك إنجاز ما وعد.
والثاني : لما يضره الإنجاز ، فتعالى الله عن ذلك كله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ).
قال بعضهم : عزيز : لا يعجزه شىء. وقيل : عزيز : قاهر يقهر ويذل ؛ فالخلائق كلهم أذلاء دونه.
وقوله : (عَزِيزٌ) : أي : غالب قاهر ذو انتقام لأوليائه من أعدائهم ؛ أي : غالب الأعداء وقاهرهم ، وناصر الأولياء.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : الاستفهام.
(٣) سقط في ب.