وأما ما قال أهل التأويل (١) فى قوله : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ). إنه نزل في [شأن نمرود](٢) وإنه اتخذ تابوتا ، وربط ثورا على قوائمه ، وما ذكروا إلى آخره ـ فلا علم لنا إلى ذلك ، وأظنه أنه كله خيال ، فلا نقول إلا القدر الذي ذكر في الآية.
و «لتزول» (٣) بنصب اللام [الأولى](٤) وبرفع الآخرة : على معنى التوكيد ، و (لِتَزُولَ) بكسر [اللام](٥) [الأولى](٦) ونصب الآخرة : على الجحد ؛ أي : ما كانت الجبال لتزول من مكرهم ، وهو ما ذكرنا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ).
قال الحسن : تفنى هذه الأرض ، ثم تعاد من ساعته مستوية ، لا شجر فيها ، ولا جبال ، ولا آكام ، قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا.
وقال بعضهم (٧) : تبدل هذه الأرض أرضا غير هذه ؛ بيضاء نقية ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها بالمعاصي ، وكذلك السموات.
ومنهم من يقول : لا تبدل عينها ؛ ولكن يتغير صفتها وزينتها ؛ كما يقول الرجل لآخر : تبدلت يا فلان ، لا يريد تبدل أصله وعينه ؛ ولكن تغير الأخلاق والدّين ، فعلى ذلك ما ذكر من تبديل الأرض والسموات.
والأشبه أن يكون على اختلاف الأحوال ؛ لأنه ذكر في آية : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ٤] وقال : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [الانشقاق : ٣] وقال : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) [الفرقان : ٢٥] ، (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨] و (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧] ، وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) [طه : ١٠٥] وقال : (فَجَعَلْناهُ
__________________
(١) قاله علي بن أبي طالب ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٩١٩ ، ٢٠٩٢١) وعن مجاهد (٢٠٩٢٢ ، ٢٠٩٢٣) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٦٦).
(٢) في ب : شأن فلان نمرود.
(٣) ينظر : الحجة (٥ / ٣١) ، وإعراب القراءات السبع (١ / ٣٣٦) ، واللباب (١١ / ٤١٢).
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في أ.
(٧) قاله ابن مسعود وغيره ، أخرجه ابن جرير (٢٠٩٤١ ، ٢٠٩٤٦) وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٦٧).