أكثرهم الأئمة في ذلك إلا ظنّا ظنوا.
ويشبه أن يكون قوله : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) يعني : أهل مكة [أي ما يتبع أكثر أهل مكة](١) الأوائل والأسلاف في عبادة الأصنام والأوثان. (إِلَّا ظَنًّا) لأنهم عبدوا الأصنام ويقولون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ...) الآية [الزخرف : ٢٣] وآباؤنا كذلك يفعلون ، ثم أخبر أن الظن لا يغني من الحق شيئا ، أي : الظن لا يدرك به الحق إنما يدرك الحق باليقين ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) وهو حرف وعيد ليكونوا أبدا على حذر.
قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ)(٤٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) قال بعضهم : هو صلة قوله : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : ١٥] فيقول : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) ؛ كقوله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ) [يونس : ١٥] أي ما أتبع إلا ما يوحى إلى.
وقال بعضهم : إن كفار قريش قالوا : إن محمدا افترى هذا القرآن من عند نفسه ويقوله من نفسه ، فقال : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) أن يضاف إلى غيره أو يختلق.
(وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت من قبل ، ولو كان محمد هو الذي افتراه واختلقه من عند نفسه لكان خرج هو وسائر الكتب المتقدمة مختلفا ، إذ لم يعرف محمد سائر الكتب المتقدمة إذ كانت بغير لسانه ، ولم يكن له اختلاف إلى من يعرفها ليتعلم ، ثم خرج هو أعني القرآن مصدقا وموافقا لتلك الكتب ؛ دل أنه من عند الله جاء ؛ كقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ...) الآية [العنكبوت : ٤٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) يخرج على وجهين ؛
__________________
(١) سقط في أ.