وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ).
قال بعضهم (١) : (فِيها) : يعني في الجبال ، (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) : يعني : ما يوزن من نحو : الذهب ، والفضة ، والحديد ، والرصاص ، ونحوه مما يستخرج منها ، وهذا كأنه ليس بصحيح ؛ لأنه لا يقال في الذهب ، والفضة والحديد : إنه أنبت (٢) في الأرض ؛ كما يقال ذلك لنبات وما ينبت فيها ، وإنما يقال للذهب ، والفضة ، والحديد : جعلنا فيها ، أو خلقنا فيها (٣).
وقال بعضهم (٤) : (وَأَنْبَتْنا فِيها) : يعني : في الأرض ؛ من كل ألوان النبات ، (مَوْزُونٍ) : أي : معلوم مقدر بقدر ؛ كقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
ويحتمل : وأنبتنا فيها ما يصير موزونا في الآخرة من الزروع وغيرها من الحبوب ، أو ما ذكرنا ؛ أي : معلوم مقدر ، والله أعلم ، ليس على الجزاف ؛ على ما يكون من فعل جاهل على غير تدبير ولا تقدير.
ويحتمل قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) : ما لو اجتمع الخلائق ـ لم يعرفوا قدر ما يزداد وينمو من النبات ؛ في لحظة واحدة ؛ وطرفة عين ، في أول ما يخرج ويبدو من الأرض ، وذلك موزون عنده ؛ معلوم قدره ، ليعلم لطفه ، وقدرته ، وتدبيره ، وعلمه ، وأنه تدبير واحد ؛ حيث لم يختلف ذلك ؛ ولم يتفاوت. والله أعلم.
قال أبو عوسجة : (فَظَلُّوا فِيهِ) : أي : صاروا يومهم (يَعْرُجُونَ) : يرتفعون ويصعدون.
وقال غيره : ظلوا : أي : مالوا ، كقوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) [الشعراء : ٤] أي : مالت ، وقال : قوله : (سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) : أي : حيرت ؛ يقال : تسكر بصره : إذا تحير ، وقال : يقال أيضا تحيرت ، يقال : سكر الله بصره : أي : حيره ، وسكرت الريح تسكر سكرا : إذا سكنت ، ويقال : ليل ساكر ، أي : ساكن ، وسكرت الماء أسكره سكرا : أي : حبسته (٥) ،
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٨).
(٢) في أ : أثبت.
(٣) ثبت في حاشية ب : لا يبعد أن يكون قوله : (وَأَنْبَتْنا فِيها) بمعنى خلقنا ؛ فيصح قول هذا التأويل ، ومصداقه قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أى : خلقكم منها ، على أنه لا مانع من إطلاق حقيقة الإنبات على مثل الذهب والفضة ؛ لأن كل ما برز من التراب ، وخرج يقال فيه : نبت ، والله أعلم. كاتبه.
(٤) قاله ابن جرير (٧ / ٥٠١) ، والبغوي (٣ / ٤٧).
(٥) في أ : حبسه.