قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٨٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ).
أي : وقد كان أصحاب الأيكة لظالمين. والأيكة : ذكر أنها الغيضة من الشجر ؛ وهي ذات آجام وشجر ، كانوا فيها فبعث إليهم شعيب وهم في الغيضة.
وذكر [بعض](١) أهل التأويل (٢) : أن شعيبا بعث إلى قومين : إلى أهل غيضة مرة ، وإلى أهل مدين مرة ؛ على ما ذكر : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [العنكبوت : ٣٦] وقال في آية [أخرى](٣) : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٧٦ ، ١٧٧].
وقوله : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) سمى الله تعالى الكفرة بأسماء مختلفة : سماهم مرة ظالمين ، ومرة [فاسقين ، ومرة مشركين](٤) ، واسم الظلم قد يقع فيما دون الكفر والشرك ، وكذلك اسم الفسق يقع فيما دون الكفر والشرك ، ثم الكفر لم يقبح لاسم الكفر ، وكذلك الإيمان لم يحسن لاسم الإيمان ؛ إذ ما من مؤمن إلا وهو يكفر بأشياء ويؤمن بأشياء ؛ قال الله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [البقرة : ٢٥٦] المؤمن يكفر بالطاغوت وبالأصنام ؛ التي كان (٥) أهل الكفر عبدوها ، وكذلك الكافر يؤمن بأشياء ويكفر بأشياء : يؤمن بالأصنام ويكفر بالله ؛ فثبت أن الكفر لاسم الكفر ـ ليس بقبيح ، وكذلك الإيمان لاسم الإيمان ـ ليس بحسن ، ولكن إنما حسن ؛ لأنه إيمان بالله ، والكفر إنما قبح ؛ لأنه كفر بالله.
وأما الظلم : فهو لاسم الظلم قبيح ، وكذلك الفسق لاسم الفسق قبيح ؛ فسماهم بأسماء هي لاسمها قبيحة (٦) ، لكن الإيمان المطلق هو الإيمان بالله ، والكفر المطلق هو
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١٦٤) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٣).
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : فاسقين وكافرين ومشركين.
(٥) في ب : كانوا.
(٦) في أ : قبيح.