تشتغل بهم ولا تدعهم فإنهم لا يؤمنون ولكن ادع قوما آخرين والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
قال بعضهم : قوله : (كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) : الكفرة جميعا ؛ فمنعناهم عن أن يصلوا إليك ؛ على ما [قصدوا إليك](١) من إهلاكك ، وغيره ؛ كقوله : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين».
وقال بعضهم : قوله : (كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الذين كانوا على الطرق والمراصد ؛ ليصدوا الناس عن سبيل (٢) الله ؛ على ما ذكر في القصّة ؛ العدد الذي ذكر سبعة أو خمسة ؛ كفاه الله بأن أهلكهم بما ذكر أهل التأويل (٣) : أن الذين استهزءوا به هلكوا جميعا بعقوبات مختلفة.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).
قوله : (يَجْعَلُونَ) ليس على الجعل ؛ لأنهم لو جعلوا لكان ؛ لأن كل مجعول كائن موجود ؛ ولكن قوله : (يَجْعَلُونَ) : أي : يزعمون أن مع الله إلها آخر ؛ إما في التسمية أو في العبادة ، وكذلك قوله : (جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) هم لا يقدرون على أن يجعلوه عضين ، ولكن زعموا أنه كذا ؛ لأن الله وكل حفظه إلى نفسه ؛ بقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] وقال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] أخبر أنه يحفظه حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ فلو قدروا على جعله عضين ـ لكان قد أتى الباطل من بين يديه ، دلّ أنه على القول الذي قالوا ؛ وهو على المجاز [كقوله : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] ، وقوله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، فهو على المجاز](٤) على ما عندهم ، إما بحق التسمية لها أنها آلهة ، وإما بصرف (٥) العبادة إليها ، ظاهر هذا أن المستهزئين الذين ذكرهم أنه كفاه عنهم هم الكفرة جميعا ؛ لكن يحتمل في الذين ذكرهم أهل التأويل كانوا على مراصد مكة ، أضاف ذلك إليهم ونسب ؛ لأنهم هم الذين أمروا غيرهم أن يجعلوا دونه إلها ؛ فكأنهم فعلوا ذلك ، وهم قالوا.
__________________
(١) في ب : قصدوك.
(٢) في أ : رسول.
(٣) انظر قول سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٤٢٠ ، ٢١٤٢١) ، وعن عكرمة (٢١٤٢٢ ، ٢١٤٢٣) ، والشعبي (٢١٤٢٥ ، ٢١٤٢٧) ، وقتادة (٢١٤٢٨ ، ٢١٤٣٠) ، وغيرهم.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : بعون.