أي : على من يشاء أن يختص من عباده ويختاره ، وهو مشيئة الاختيار ؛ وإن كان غيره يصلح لذلك ، وفيه دلالة اختصاص الله بعضهم على بعض ؛ وإن كان غيره يصلح لذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ).
على هذا جاءت (١) الرسل والأنبياء عليهمالسلام جميعا بالإنذار والدعاء إلى وحدانية الله ، وتوجيه العبادة إليه.
وقوله : (أَنْ أَنْذِرُوا) [هو](٢) صلة ما تقدم من قوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) أن أنذروا ، ولا يوصل بما تأخر ، ثم يخرج على الإضمار ؛ أي : أنذروا وقولوا : إنه لا إله إلا أنا فاتقون.
قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).
قد ذكرنا قوله : (بِالْحَقِ) في غير موضع أنه لم يخلقهما وما فيهما عبثا ، إنما خلقهم لأمر كائن ، أو للمحنة ، والجزاء ، ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
من [لا يخلق ، ولا ينفع](٣) ، ولا يضر ، ولا يدفع في الذي يخلق ، وينفع ، ويضرّ ، ويدفع تعالى عن ذلك وتبرأ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ).
يذكرهم ـ عزوجل ـ نعمه عليهم ، وقدرته ، وسلطانه ، وعلمه ؛ لأنه لو اجتمع الخلائق كلهم ؛ على أن يدركوا المعنى الذي به تصير النطفة نسمة وإنسانا ـ ما قدروا عليه حيث خلق من النطفة إنسانا على أحسن تقويم ؛ وأحسن صورة.
وفيه نقض قول الدهرية ؛ حيث أنكروا خلق الشيء من لا شيء ؛ لأنهم لم يدركوا المعنى الذي به خلق الإنسان من النطفة ؛ فيلزمهم أن يقروا بخلق الشيء من لا شيء ، وإن لم يشاهدوا ذلك ولم يدركوا ، وفيه دلالة البعث ؛ لأن من قدر على إنشاء الإنسان من النطفة ؛ وليس فيها من آثار الإنسان شيء يقدر على البعث وإنشاء الأشياء ؛ لا من شيء.
__________________
(١) في أ : أجاب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : لا ينفع ولا يخلق.