وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي : خسروا بما وعدوا في الآخرة من النعم الدائمة بترك اكتسابهم إياها ؛ إذ قد أعطوا ما يكتسبون به نعم الآخرة ، فاكتسبوا ما به خسروا ذلك ؛ فهو كقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] أي : ما أصبرهم على اكتساب ما به يستوجبون النار.
والثاني : [قد](١) خسروا [...](٢).
قوله تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٤٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) : «إما» حرف شك ، وكذلك حرف أو ، لكن يكون تأويله ـ والله أعلم ـ على حذف إما وإضمار حرف «إن» كأنه يقول : إن أريناك إنما نرينك بعض ما نعدهم لا كل ما نعدهم ، أو نتوفينك ولا نرينك شيئا (٣). أو أن يكون قوله : إن نرينك بعض ما نعدهم أي : لقد نريك بعض ما نعدهم ؛ وهو كقوله : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨] ، فعلى هذا التأويل يريه بعض ما يعدهم ، ولا يريه (٤) كل ما وعدهم.
وعلى التأويل الأول إن أراه إنما يريه بعض ذلك ولا يريه شيئا.
فإن قيل : حرف «إما» حرف شك وكذلك حرف أو كيف يستقيم إضافته إلى الله ، وهو عالم بما كان ويكون وإنما يستقيم إضافته إلى من يجهل العواقب؟!
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) بياض في الأصول.
(٣) وقال ابن عطية : (ولأجلها ، أي : لأجل زيادة «ما» ، جاز دخول النون الثقيلة ، ولو كانت «إن» وحدها لم يجز) أي : إن توكيد الفعل بالنون مشروط بزيادة «ما» بعد «إن» ، وهو مخالف لظاهر كلام سيبويه ، وقد جاء التوكيد في الشرط بغير «إن» كقوله :
من تثقفن منهم فليس بآئب |
|
أبدا وقتل بنى قتيبة شاف |
قال ابن خروف : أجاز سيبويه : الإتيان ب (ما) ، وألا يؤتى بها ، والإتيان بالنون مع «ما» ، وألا يؤتى بها ، والإراءة هنا بصرية ؛ ولذلك تعدى الفعل إلى اثنين بالهمزة ، أي : نجعلك رائيا بعض الموعودين ، أو بمعنى : الذي نعدهم من العذاب ، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك ، فإنك ستراه في الآخرة.
قال مجاهد : فكان البعض الذي رآه قتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موته.
ينظر : المحرر الوجيز (٣ / ١٢٣) ، واللباب (١٠ / ٣٤٤).
(٤) في أ : يريهم.