قيل : جميع حروف الشك الذي أضيف إلى الله هو على اليقين والوجوب نحو حرف «عسى» و «لعل» ونحو ذلك ، فعلى ذلك حرف «إما» [و] ، «أو» فهو لم يزل عالما بما كان ويكون في أوقاته.
وأما حرف الاستفهام والشك يخرج على مخرج الإيجاب والإلزام على ما ذكرنا في حرف التشبيه ، أو أن يكون رسول الله وعد لهم أن يريهم شيئا ، فقال عند ذلك : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) لا نرينك شيئا يقول : ليس إليك ما وعدتهم ، إنما ذلك إلينا ؛ كقوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران : ١٢٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) : هذا يحتمل ثم الله شهيد لك يوم القيامة على ما فعلوا من التكذيب بالآيات وردها ؛ وهو كقوله : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ ...) الآية [الأنعام : ١٩]. ويحتمل أنه عالم بما يفعلون لا يغيب عنه شيء وهو وعيد ؛ كقوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [البقرة : ٩٦] (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٩] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) أي : لكل أمة فيما خلا رسول الله بعث إليهم لست أنا أول رسول بعثت إليكم ؛ كقوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [الأحقاف : ٩].
(فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) يحتمل هذا وجهين : يحتمل فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط ؛ أي : يقضى بين الرسل وبين الأمم بالعدل بما كان من الرسل من تبليغ الرسالة إليهم والدعاء إلى دين الله ، ومن الأمم من التكذيب للرسل والرد للآيات ، قضي بينهم بالعدل وهم لا يظلمون لا يزاد على ما كان ولا ينقص.
ويحتمل قوله : (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : يهلك المكذبون منهم وينجى الرسل ومن صدقهم (١) ، كقوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [يونس : ١٠٣] ويجوز أن يقضى بين المعرضين وبين المجيبين والمطيعين يوم القيامة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : وذلك أنه (٢) لما أوعدهم العذاب حين قال : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قالوا : متى هذا العذاب (٣) الذي توعدنا هذا يا محمد إن كنت صادقا بأن العذاب نازل بنا في الدنيا ، وهو
__________________
(١) في ب : صدق منهم.
(٢) في أ : أنهم.
(٣) في أ : الوعد.