والثاني : (لَغَفُورٌ) : أي : يستر عليكم ما كان منكم ؛ ما لو أظهر ذلك لافتضحتم ؛ لكنّه برحمته ستر ذلك عليكم ، رحيم بالستر عليكم. أو ذكر (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) على أثر ذكر النعم وأنواع المنافع ؛ ليكونوا رحماء على ما ذكر مما سخر لنا وأذلّ. والله أعلم.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)(٢٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : ذكر هذا ليكونوا أيقظ وأحذر ؛ لأن في الشاهد من يعلم أن عليه رقيبا حافظا بما يفعل ، كان هو أرقب وأحفظ لأعماله ، ويكون أحذر ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب.
والثاني : يعلم ما تسرّون من المكر برسول الله ، والكيد له من القتل ، والإخراج ، وغير ذلك [أي : يعلم ذلك](١) كله منكم ، ما أسررتم وأعلنتم ، وهو يخرج على نهاية الوعيد والتعيير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يحتمل يدعون : أي : يسمونها (٢) : آلهة ، وربما كانوا يدعونهم عند الحاجة.
ويحتمل (يَدْعُونَ) : يعبدون ؛ أي : الذين يعبدون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ؛ فهذا يرجع إلى الأوّل ؛ أفمن يخلق كمن لا يخلق؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ...) [الآية](٣).
يحتمل المراد بقوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) : الذين عبدوا الأصنام والأوثان وجميع من كفر بالله ؛ هم أموات غير أحياء ؛ لأن الله تعالى سمّى الكافر في غير آي من القرآن ميّتا ؛ فيشبه أن يكون قوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) أيضا (٤).
(وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
أي : يشعرون حين يبعثون ، أي : لو شعروا هذا في الدنيا ما شعروا في الآخرة ؛ لم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : يسلمونها.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : هم أيضا.