كما يحتمل (١) ذلك في الدنيا التقديم والتأخير بالشفاعة والفداء ويذكر عجزه في إنزال العذاب عليهم في قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ) : قيل : أي العذاب إذا نزل بكم أمنتم به الآن؟! يخبر عنه أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون.
ثم يحتمل قوله : (آمَنْتُمْ بِهِ) أي : بالله وبرسوله ؛ كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) [غافر : ٨٤] ، ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب ؛ وهو كقوله : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥] ، وقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام : ١٨٥].
ويحتمل قوله : (آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ) أي : بالعذاب ؛ لأنهم يكذبون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يوعدهم العذاب ، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا ، فإذا نزل بهم آمنوا أي صدقوا بذلك العذاب ، يقول : (آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل [بكم ذلك](٢) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) قيل (٣) : أشركوا في ألوهيته وربوبيته وعبادته غيره.
(ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) لأنهم يخلدون فيه ، يقال ذلك بعد ما أدخلوا النار.
(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي : لا تجزون إلا بما كنتم كسبتم في الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي : يستخبرونك.
(أَحَقٌّ هُوَ) يحتمل هذا وجوها.
يحتمل قوله : (أَحَقٌّ هُوَ) العذاب الذي كان يوعدهم أنه ينزل بهم ، على ما قاله عامة أهل التأويل.
ثم قال : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) أي : قل : نعم وربي إنه لحق إنه نازل بكم.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي : بفائتين عنه ولا سابقين له.
ويحتمل قوله : (أَحَقٌّ هُوَ) ما يدعوهم إليه من التوحيد ؛ كقولهم لإبراهيم : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ...) الآية [الأنبياء : ٥٥ ، ٥٦] ؛ فعلى ذلك قولهم : (أَحَقٌّ هُوَ) ثم ، أخبر أنه لحق بقوله : (قُلْ إِي
__________________
(١) في أ : لا يحتمل.
(٢) في ب : ذلك بكم.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٥٧).