والنبيذ ، وقال السكر : ما أسكر ، والرزق الحسن : [الخل](١) وأشباهه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) ودليلا وبيانا (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ما ينبهون (٢) ، فيعلمون أن الذي لم يعجز عما خلق لهم من الثمار من خشب يابس يقدر أن يحيي الموتى ، ويخلق ما يشاء ، وما عرفه الخلق أنه يكون من النطفة الولد ، ومن الماء والأشجار الفواكه ، ومن العلف اللبن ، وغير ذلك من الحوادث التي تحدث من الأشياء ، وتلك أسبابها ما لم يدرك كون تلك الأشياء فيها ولا يرى لا يعرف ذلك إلا بتعليم من هو عالم بذاته لأن علم ذلك لو كان لا بتعليم لو اجتهدوا كل جهدهم لم يدركوا حدوث تلك الأشياء مما ذكرنا ، ولا كونها منها ، دل أن الذي علمهم هو عالم بذاته ؛ فإذا ثبت كونه بعالم بذاته وإن كانوا لم يشاهدوا إلا عالما بغير ، فعلى ذلك هو قادر على إنشاء الأشياء من لا شيء وإن كانوا لم يعاينوا في الشاهد شيئا إلا من شيء ، وفيه أن ما يحدث ويكون من اللبن بالعلف الذي يؤكل ، أو الطعام الذي يتناول ، أو الفواكه والثمار التي تخرج ليس يكون بنفس الماء ، أو بنفس الطعام والعلف ، ولكن باللطف من الله تعالى ؛ لأنه قد يسقي ذلك الماء الشجر والنخل في حال ثم لا يكون فيه الثمر ، وكذلك الدواب تعلف في حال لا يكون ذلك منه.
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)(٧٢)
وقوله ـ عزوجل ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) فإن قيل لنا أي منة له علينا في ذكر خلقنا ثم توفيه إيانا ورده لنا إلى الحال التي ذكر وهو حال الجهل حتى لا نعلم شيئا.
قيل ذكر هذا ـ والله أعلم ـ يحتمل وجوها :
أحدها : يذكرهم أنه هو الذي خلقكم ، ثم هو يتوفاكم ، ثم هو يملك ردكم إلى الحال التي لا تعلمون شيئا ، وفي ملكه وسلطانه تتقلبون ، فكيف عبدتم الأصنام والأوثان التي لا يملكون شيئا من ذلك وأشركتموها في ألوهيته وعبادته ، أو يذكر هذا أنه خلقكم ولم تكونوا شيئا ، ثم يتوفاكم بعد ما أحياكم ، ثم يردكم إلى الحال التي لا تعقلون شيئا بعد ما
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ينبعون.