وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً).
يحتمل قوله : (ظِلالاً) البيوت التي ذكر وهي تظلهم ، ويحتمل الأشجار.
(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً).
وهى الغيران والبيوت التي تتخذ في الجبال ؛ تقيهم من الحرّ والبرد (١).
(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ).
قيل : القميص والدروع ، ثم ذكر أن ما ذكر من البيوت والأكنان والسرابيل تقيكم الحرّ ، وتقيكم (٢) أيضا بأس العدو.
(كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ).
[على](٣) ما ذكر من أنواع النعم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ).
ذكر أنها تقى من الحر ، وهي تقى الحرّ والبرد جميعا ؛ فكان في ذكر أحدهما ذكر الآخر ذكر كفاية (٤).
__________________
(١) وأكنانا : جمع (كن) ؛ وهو ما حفظ من الريح والمطر ، وهو في الجبل : الغار ، وقيل : كل شيء وقى شيئا ، ويقال : استكن وأكن ، إذا صار في كن.
واعلم أن بلاد العرب شديدة الحر ، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة ؛ فلهذا ذكر الله ـ تعالى ـ هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة ، وذكر الجبال ولم يذكر السهول وما جعل لهم من السهول أكثر ؛ لأنهم كانوا أصحاب جبال ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) ؛ لأنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ، كما قال ـ عزوجل ـ : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ)[النور : ٤٣] وما أنزل من الثلج أكثر لكنهم كانوا لا يعرفون الثلج.
ينظر : اللباب (١٢ / ١٣٤).
(٢) زاد في ب : بأسكم.
(٣) سقط في أ.
(٤) قال الزجاج ـ رحمهالله ـ : (كل ما لبسته فهو سربال ، من قميص أو درع أو جوشن أو غيره) وذلك لأن الله ـ تعالى ـ جعل السرابيل قسمين :
أحدهما : ما يقي الحر والبرد. والثاني : ما يتقى به من البأس والحروب.
فإن قيل : لم ذكر الحر ولم يذكر البرد؟
فالجواب من وجوه :
أحدها : قال عطاء الخراساني : المخاطبون بهذا الكلام هم العرب ، وبلادهم حارة يابسة ، فكانت حاجتهم إلى ما يدفع الحر أشد من حاجتهم إلى ما يدفع البرد ، كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) وسائر أنواع الثياب أشرف ، إلا أنه ـ تعالى ـ ذكر هذا النوع ؛ لأن عادتهم بلبسها أكثر.
والثاني : قال المبرد : ذكر أحد الضدين تنبيه على الآخر ، كقوله : [الطويل]
كأن الحصى من خلفها وأمامها |
|
إذا نجلته رجلها خذف أعسرا |