وقال بعضهم : المنكر (١) : ما لا يعرف في الشرائع والسنن. ويقال : المنكر : ما أوعد الله عليه النار ، والبغي (٢) : الاستطالة ، والظلم ، ثم يجب [أن نقرر](٣) حقيقة العدل : ما هو؟ فهو ـ والله أعلم ـ : وضع كل شيء موضعه ؛ فيدخل فيه كل شيء : التوحيد وغيره ؛ بجعل الربوبيّة والألوهية لله لا شريك فيها غيره ، ولا يصرفها إلى غيره ، ولا يضيف ، بل ينسب الرّبوبيّة والألوهية إلى الله ، والعبودية إلى العباد ، ولا يضاف العبودية إلى الله ، ولا الربوبية والألوهية إلى العباد ؛ فذلك العدل ووضع كل شيء موضعه : الربوبية في موضعها ، والعبودية في موضعها ، هذا ـ والله أعلم ـ معنى العدل.
وأمّا الإحسان : فهو ما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن جبريل سأله عن الإحسان حين سأله عن الإيمان والإسلام ؛ فقال ما الإحسان؟ فقال : «أن تعمل لله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» (٤). ومن يعمل لآخر بحيث يراه وينظر إليه يكون أبدا طالب رضاه في ذلك العمل ، وإخلاصه له وطلب مرضاته فيه ؛ فهو يحتمل وجوها ثلاثة ـ أعني الإحسان ـ :
أحدها : ما ذكر أنه يعمل له كأنه يراه ، وذلك فيما بينه وبين ربه.
والثاني : فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يحب لهم كما يحب لنفسه فيما أذن له في ذلك ، أو نقول على الإطلاق يحب لهم كما يحب لنفسه.
فإن عورض بالقتال والحروب التي بيننا وبين أهل الحرب ، وذلك بالذي لا نحب لأنفسنا ونحب لهم ـ قيل : في ذلك طلب نجاتهم وتخليصهم من الهلاك والعذاب الدائم الأبدي ، وذلك ما نحبه (٥) نحن لأنفسنا : أن يسعى أحد في نجاة أحدنا من المهلكة ؛ ألا ترى أنه قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] وليس [في القتال](٦) في الظاهر رحمة ، لكن في الحقيقة رحمة ؛ حيث يحملهم القتال على الإسلام ؛ إذ كان قبل نصب القتال والحروب معهم لم يسلم إلا قليل منهم ؛ فلما نصب الحروب معهم والقتال دخلوا في الإسلام أفواجا أفواجا ؛ فصار ذلك في الحقيقة رحمة ، وإن كان في رأي العين في الظاهر ليس برحمة.
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٨٢).
(٢) زاد في ب : قيل.
(٣) سقط في أ.
(٤) طرف من حديث عمر بن الخطاب الطويل :
أخرجه مسلم (١ / ٣٦ ، ٣٨) ، كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (١ / ٨).
(٥) في ب : نحب.
(٦) سقط في أ.