الذين كذبوها.
(هُمُ الْكاذِبُونَ).
قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١١١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) يحتمل وجهين ـ حيث ذكر من كفر بالله ـ : أحدهما : كفر بالله في زعم المكره ؛ لأنه أكرهه به ففي زعمه كافر بالله ؛ لطلبه ذلك منه ، وهو كقوله : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] : في زعمهم ؛ لأنهم لم يكونوا آلهة ، وكقوله : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) [طه : ٩٧] : سماه إلها ؛ لأنه ـ في زعم السامري ـ إله.
والثاني : من كفر بالله شارحا صدره بالكفر ـ هو الكافر به حقّا ، وأما من أظهر الكفر بلسانه بالإكراه ، وقلبه معتقد بالإيمان على ما كان مطمئنّا به ـ فهو ليس بكافر. وأصله : أن من اعتقد مذهبا [أو دينا](١) أن يعتقده بخصال ثلاث :
إحداها : يقلد آخر ؛ لما رآه (٢) أبصر وآخذ وأعلم فيه ، وهو لا يبلغ ذلك ، فيقلده ؛ لفضل بصره وعلمه فيه ورأيه.
والثانية : يعتقد للشبهة ؛ لما يتراءى عنده أنه الحق ؛ فيعتقده لذلك للشبهة التي ذكرنا.
والثالثة : [يعتقد لما](٣) يتضح له الحق فيعتقده.
فلهذه الوجوه الثلاثة يعتقد من يعتقد دينا أو مذهبا ، فأما أن يعتقد الإنسان مذهبا مجانا على الجزاف فلا ؛ فكأن إظهار كفر هذا لإكراه من أكرهه لم يصر كافرا.
وأصله أن الإيمان والكفر إنما يكونان بالاختيار ؛ فإن الإكراه يزيل اختيار من كفر ؛
__________________
(١) في ب : ودينا.
(٢) في أ : رأى.
(٣) سقط في أ.