عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١١٩)
وقوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً).
اختلف في ضرب المثل بهذه الآية (١) ، وفي نزولها :
قال بعضهم : ضرب المثل لأهل مكة ، وفيها نزلت ـ بقريات نزل بهم العذاب ؛ بتكذيبهم رسلهم في بني إسرائيل ، يحذر أهل مكة بتكذيبهم رسول الله نزول العذاب بهم كما نزل بأوائلهم.
وقال بعضهم : ضرب المثل لأهل المدينة ، وفيهم نزل بأهل مكة ؛ يحذر أهل المدينة ؛ لئلا يكذبوا محمدا كما كذب أهل مكة ؛ فيحل بهم كما حل بأهل مكة من الناس الجوع والخوف ؛ بالتكذيب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ).
قيل (٢) : هي مكة ؛ أهلها كانوا آمنين فيها من خير أو شر ، مطمئنين يأتيهم رزقهم من كل مكان. ويحتمل قرية أخرى غيرها ؛ كانوا على ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ).
__________________
(١) اعلم أنه ـ تعالى ـ هدد الكفار بالوعيد الشديد في الآخرة ، وهددهم أيضا بآفات الدنيا ، وهي الوقوع في الجوع والخوف ، كما ذكر ـ تعالى ـ في هذه الآية.
واعلم أن المثل قد يضرب بشيء موصوف بصفة معينة ، سواء كان ذلك الشيء موجودا أو لم يكن ، وقد يضرب بشيء موجود معين ، فهذه القرية يحتمل أن تكون موجودة ويحتمل أن تكون غير موجودة.
فعلى الأول ، قيل : إنها مكة ، كانت آمنة ، لا يهاج أهلها ولا يغار عليها ، مطمئنة قارة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتجاع كما يفعله سائر العرب ، (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ)[النحل : ١١٢] ، يحمل إليها من البر والبحر ، (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ)[النحل : ١١٢] ، جمع النعمة ، وقيل : جمع نعمى ، مثل بؤسى وأبؤس فأذاقهم لباس الجوع ، ابتلاهم الله بالجوع سبع سنين ، وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرقة ، والجيف والكلاب الميتة والعلهز : وهو الوبر يعالج بالدم.
قال ابن الخطيب : والأقرب أنها غير مكة ؛ لأنها ضربت مثلا لمكة ، ومثل مكة يكون غير مكة.
وهذا مثل أهل مكة ؛ لأنهم كانوا في الطمأنينة والخصب ، ثم أنعم الله عليهم بالنعمة العظيمة ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم فكفروا به ، وبالغوا في إيذائه ، فسلط الله عليهم البلاء وعذبهم بالجوع سبع سنين ، وأما الخوف فكان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.
ينظر : اللباب (١٢ / ١٧٢ ، ١٧٣).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٩٥٦) ، وهو قول مجاهد وقتادة وابن زيد وعطية.