والثاني : جهل ما يحل به بعمله السوء.
ثم [قوله](١)(إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ...) إلى آخره ، يمكن (٢) أن يكون في الآية إضمار لم يذكر ؛ لأنه قال : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) ثم كرر ذلك الحرف على الابتداء من غير أن ذكر له جواب ، وهو قوله (إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
فظاهر الجواب أن يقول : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ على ما ذكرنا في قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا ...) الآية [النحل : ١١٠] ؛ لكن يخرج على الإضمار ، أو على التكرار : على إرادة التأكيد ، أو على الابتداء والاكتفاء بجواب ذكره في موضع آخر.
ثم قال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : هذا ـ والله أعلم ـ جوابه ، أي : إن ربك من بعد التوبة لغفور رحيم ، فهموا قبل أن يعمل السوء ، والعرب قد تكرر أشياء على إرادة التأكيد ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١٢٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً).
قال عبد الله بن مسعود (٣) : الأمة : الذي يعلم الناس الخير ، والقانت : المطيع لله.
وقال بعضهم : أمة قانتا ، أي : مؤمنا وحده والناس كلهم كفار.
وقال بعضهم (٤) : كان أمة ، أي : إماما يقتدى به [في كل خير ؛ كقوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤].
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : يجيء.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢١٩٧٠) و (٢١٩٧٥) ، وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٥٣).
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١٩٨٢) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٥٣).