جَمِيعاً) أي : إن العزة في المكر والكيد لله ؛ وهو كقوله : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) [الرعد : ٤٢] أي : مكره ينقض مكرهم ويمنعه ، وكيده يفسخ كيدهم ؛ فعلى ذلك قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) أي : ينقض جميع ما يمكرون بك ويكيدونك ، و (الْعِزَّةَ) القوة ، يقول : إن القوة لله ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كيدهم ومكرهم الذي هموا بك.
(هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : [لقولهم](١) الذي قالوه العليم بمصالحهم ، أو السميع المجيب للدعاء العليم بما يكون منهم.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)(٦٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي : تعلمون أن من في السموات ومن في الأرض كلهم عبيده وإماؤه ، فكيف قلتم : إن فلانا ولده وإن له شريكا ، ولا أحد منكم يتخذ من عبيده وإمائه ولدا ولا شريكا ؛ كقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...) الآية [الروم : ٢٨] ؛ فعلى ذلك هذا.
أو كيف يحتمل أن يتخذ ولدا وله ملك ما في السموات والأرض ، وإنما يتخذ في الشاهد الولد لإحدى خصال ثلاث : إما للاستنصار على غيره ، وإمّا لحاجة تمسه ، وإمّا لوحشة أصابته ، فهو غني له ملك السموات والأرض لا حاجة تمسّه ، فكيف نسبتم الولد إليه والشريك وما قالوا فيه مما لا يليق به؟! وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
أو يخبر عن غناه عما يأمرهم وينهاهم ويتعبدهم ، أي : ليس يأمر وينهى ويتعبد بأنواع العبادات ويمتحنهم بأنواع المحن لحاجة له أو لمنفعة له في ذلك ، ولكن لمنفعة لهم في ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) أي : ما يتبعون فيما يدعون من دون الله من الشركاء بالحجج والبراهين أو [اليقين بكتاب](٢) أو رسول ، إنما يتبعون بالظن والحذر.
(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : ما هم إلا يكذبون فيما يتبعون بدعائهم دون الله ؛ لأنهم كانوا أهل شرك لم يكونوا أهل كتاب ولا آمنوا برسول ، فهم قد عرفوا أنهم مفترون كاذبون
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : الكتاب بيقين.