وفي قوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) وجوه من الدلالة :
أحدها : ما ذكرنا من تذكير النعم يدعوهم به إلى الشكران (١) وينهاهم عن الكفران ، وفيه تذكير القدرة له حيث أنشأ هذا وأحدثه وأتلف الآخر ، فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء ، وفيه دليل السلطان حيث يأخذهم الليل ويستر عليهم الأشياء شاءوا أو أبوا ؛ وكذلك النهار يأتيهم حتى يكشف وجوه الأشياء ويجلي شاءوا أو أبوا ، وفيه دليل التدبير والعلم لما ذكرنا من اتساق جريانهما على سنن واحد ومجرى واحد.
وفيه دلالة وحدانية منشئهما (٢) بين هاهنا فيما جعل الليل حيث قال : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أخبر أنه جعل الليل للسكون والراحة ، فدل ذكر السكون في الليل على أنه جعل النهار للسعي وطلب العيش ، ألا ترى أنه قال في النهار : (مُبْصِراً) أي : يبصرون فيه ما يتعيشون (٣) ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ...) الآية [القصص : ٧٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) : ولم يقل : يبصرون فظاهر ما سبق من الذكر يجب أن يقال : لقوم يبصرون ؛ لأنه قال : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) ، لكن يحتمل قوله : (يَسْمَعُونَ) أي : يعقلون ؛ كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) [يونس : ٤٢].
ويحتمل قوله : (يَسْمَعُونَ) [ما ذكر من الآيات من أول السورة إلى هذه المواضع آيات لقوم يسمعون : ينتفعون بسماعهم أو يسمعون](٤) أي : يجيبون كقوله : سمع الله لمن حمده : أي : أجاب الله.
قوله تعالى : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ)(٧٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ).
قال بعضهم : أرادوا بقولهم : اتخذ الله ولدا حقيقة الولد ؛ كقوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) [النحل : ٥٧] [...](٥).
__________________
(١) في أ : شكره.
(٢) في أ : منشئها.
(٣) في أ : يعيشون.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٥) بياض في الأصل ولا يضر بالسياق.