المؤمن والكافر جميعا ؛ كقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] فإذا كان ما ذكرنا فيكون تأويله : فانظر كيف كان عاقبة من أجاب ومن لم يجب : عاقبة من أجاب الثواب ، وعاقبة من لم يجب العذاب (١).
ويحتمل المنذرين الذين لم يقبلوا الإنذار ولم يجيبوا ، أي : انظر كيف كان عاقبتهم بالهلاك والاستئصال ، ويكون تأويل قوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] أي : إنما يقبل الإنذار من اتبع الذكر ، أو إنما ينتفع بالإنذار من اتبع الذكر ، أو أما من لم يتبع الذكر لم ينتفع ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً) أي : من بعد نوح رسلا إلى قومهم ، أي : بعثنا إلى كل قوم رسولا ، لا أنه بعث الرسل جملة إلى قومهم ، ولكن واحدا على أثر واحد.
(فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : يحتمل البينات الحجج والبراهين التي أقاموها على ما ادعوا من الرسالة والنبوة.
ويحتمل البينات بيان ما عليهم أن يأتوا ويتقوا.
ويحتمل البينات بما أخبروهم وأنبئوا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) قال بعضهم : ما كان كفار مكة ليؤمنوا وليصدقوا بالآيات والبيانات كما لم يصدق به أوائلهم.
وقال بعضهم : قوله : (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي : قبل بعث الرسل ، ففيه دلالة أن أهل الفترة يؤاخذون بالتكذيب في حال الفترة.
ويحتمل قوله : (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل إتيان البينات ، أي : ما كانوا ليؤمنوا بعد ما جاءوا بالبينات بما كذبوا به من قبل مجيء البينات.
(كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أي : هكذا نطبع على قلوب أهل مكة كما طبعنا على قلوب أوائلهم ؛ إذ علم أنهم لا يقبلون الآيات ولا يؤمنون بها ، والاعتداء هو الظلم مع العناد والمجاوزة عن الحد الذي جعل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) هو يخرج على وجهين ؛ أحدهما : ما كانوا ليؤمنوا بالبينات إذا جاءتهم البينات على السؤال ، وهكذا عادتهم أنهم لا يؤمنون بالآيات إذا أتتهم على السؤال.
والثاني : ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا على علم منهم أنها آيات وأنه رسول ؛ والله أعلم.
__________________
(١) في أ : العقاب.