وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) فيه دلالة أن الإيمان والإسلام واحد في الحقيقة ؛ لأنه بدأ بالإيمان بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) وختم بالإسلام بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) دل أنهما واحد هو اعتقاد ترك تضييع كل حق ، والإسلام اعتقاد تسليم كل حق وترك تضييعه ، والله أعلم. والإسلام هو جعل كلية الأشياء لله سالمة ، والإيمان هو التصديق بكلية الأشياء فيما فيها من الشهادة لله بالربوبية له والألوهية.
وقوله : (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : أن يكون قال ذلك لما خافوا مواعيد فرعون وعقوباته ؛ كقوله للسحرة لما آمنوا : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ...) الآية [الأعراف : ١٢٤] ، فقال عند ذلك : (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) في دفع ذلك عنكم ، فقالوا : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
قوله : (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يحتمل ما قاله على خوف من فرعون وملئه أن يفتنهم ما قيل أى (١) : يقتلهم ويعذبهم ، والله أعلم.
هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أي لا تجعل لهم علينا الظفر والنصر ، فيظنون أنهم على هدى وعلى حق ونحن على ضلال وباطل (٢).
والثاني : لا تجعلنا تحت أيدي الظلمة فيعذبونا ؛ فيكون ذلك فتنة لنا ومحنة على ما فعل فرعون بالسحرة لما آمنوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فيه أن قوله : الظالمين والكافرين واحد ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ...) الآية يحتمل وجهين :
__________________
(١) في أ : أن.
(٢) في أ : وبطلان.