الأوقات ، لكنه خص ذلك اليوم بالمرجع إليه لما أن الخلائق كلهم يعلمون يومئذ أنهم راجعون إليه ؛ وكذلك قوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] هم بارزون له في الدنيا والآخرة ، لكنهم يومئذ يعرفون ويقرون بالبروز له.
وكذلك : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج : ٥٦] الملك لله في الدنيا والآخرة وفي الأوقات جميعا ، لكنه خص ذلك اليوم لما لا ينازع في الملك في ذلك اليوم ، [ويقرون بالملك له في ذلك اليوم](١) وفي الدنيا من قد نازع في ملكه.
هذا ـ والله أعلم ـ وجه التخصيص لذلك اليوم بالملك ، وإن كان الملك في الدارين جميعا فعلى ذلك المرجع ، أو سمى البعث رجوعا إليه ؛ لما المقصود من إنشائه البعث ، فسماه بذلك لما ذكرنا ؛ لأنه لو لم يكن المقصود من إنشائه إياهم سوى الإنشاء والإفناء ، كان خلقه إياهم عبثا وباطلا ؛ كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا).
يحتمل (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) : البعث الذي ذكر أنه يبدأ الخلق ثم يعيده. ويحتمل (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) من الثواب والعقاب في الآخرة ؛ الثواب للمحسن منهم والعقاب للمسيئ.
وقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : عرفتم أنه هو الذي يراكم والخلق جميعا ، فكذلك هو يعيدكم بعد إفنائكم ؛ إذ بدء الشيء على غير مثال أشد عندكم من إعادته على مثال ؛ كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، أي : إعادة الشيء أهون عندكم من بدئه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ).
قيل (٢) : بالعدل ، لكن ما يجزيهم ، إنما يجزيهم إفضالا وإحسانا لا استيجابا واستحقاقا.
ثم يحتمل قوله : (بِالْقِسْطِ) وجوها :
أحدها : أنه يجزي المحسنين جزاء الإحسان ، والمسيء جزاء الإساءة ، ويفصل بين [العدو والولي](٣) في الآخرة في الجزاء ، ويجعل للولي علامة وأثرا يعرف بهما من العدو ؛ إذ لم يفصل في الدنيا بين الأولياء والأعداء في الرزق وما يساق إليهم من النعيم ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٥٦٧).
(٣) في أ : الولي والعدو.