ولا يجعل علامة يعرف بها الولي من العدو وجعل في الآخرة ذلك حتى يعرف هذا من هذا ، فهذا العدل الذي ذكرنا يشبه (١) أن يكون هو ذلك.
ويحتمل (بِالْقِسْطِ) الوزن ، أي : يجزيهم بالوزن على تعديل النوع بالنوع لا على القدر ، أي : يجزي بالحسنة قدرا لا يزيد على ذلك ، ولكن يجزي للخير خيرا وللحسنة حسنة وللسيئة سيئة.
ويحتمل قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الروم : ٤٥] بالعدل ، أي : يجزي الذين عملوا بالعدل لم يجوروا فيه ولا جاوزوا الحد الذي حد لهم ، ولكن عملوا بالعدل فيه ، ويشبه أن يكون على تقديم العدل ليجزي الذين آمنوا بالعدل ، أي : لا يعذبهم في النار إذا آمنوا ، ثم الذين عملوا الصالحات يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، والله أعلم بالصواب ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) أي : يجزيهم في الآخرة بما أقسطوا في الدنيا وعدلوا ، فيكون القسط على هذا التأويل نعتا لهم.
وإن كان ما ذكر من القسط راجعا إلى الله ووصفا له فهو يخرج على وجوه :
أحدها : يجزي فريقا من المؤمنين بالعدل ، يجزي لإحسانهم جزاء الإحسان ، [ولإساءتهم جزاء الإساءة ؛ فيكون جزاء بالعدل ، ويجزي فريقا آخر منهم بالفضل والإحسان : يجزي بحسناتهم جزاء الحسنة،](٢) ويكفر عن سيئاتهم ؛ وهو كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) الآية [الأحقاف : ١٦] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ...) الآية [النساء : ٤٨ ، ١١٦].
والثاني : يجزيهم بالفضل ؛ إذ العدل هو وضع الشيء موضعه ، أي : يضع الفضل في أهله لا يضعه في غير أهله ، ووضع الفضل في أهل الإيمان عدل ، إذ هم أهل له ـ والله أعلم ـ وهو كقوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود : ٣].
والثالث : العدل الذي هو مقابل الإحسان وهو الفضل لا العدل الذي هو ضد الجور ؛ كقوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) الآية [النساء : ١٢٩] ، لا يحتمل أن يقول : لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في العدل الذي هو ضد الجور [لأن] في مثل هذا يستطيعون أن يعدلوا بينهم ؛ فعلى ذلك قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الروم : ٤٥] بالعدل الذي هو مقابل الإحسان وهو الفضل ؛ إذ للفضل درجات ، وأصله
__________________
(١) في أ : ليشبه.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.