أو جاءت حجج الحق وبراهينه وذهبت شبه الباطل وتمويهاته ، والحق : يحتمل ما ذكرنا من الإسلام ورسول الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَزَهَقَ الْباطِلُ) ، أي : ذهب وبطل غيره من الأديان ، وغيره من المذاهب ، وعبادة الأصنام ونحو ذلك.
قالوا : وأصله : أن الناس كانوا في حيرة وتيه قبل بعث الرسول ؛ لما كانوا فقدوا دين الله وسبيله منذ كان رفع عيسى من الأرض إلى السماء لا يجدون سبيل الله ، ولا يهتدون إلى شىء ، حيارى ، حزانى حتى بعث الله محمدا ، ليدعوهم إلى دين الله ، ويبين لهم سبيله الذي كان يتمسك به الأنبياء من قبله ، ويخرجهم من تلك الحيرة التي كانوا فيها ، ففعل صلىاللهعليهوسلم ؛ فذلك الذي قال الله تعالى : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) ، أي : (جاءَ الْحَقُ) الذي [كانوا](١) فقدوه فسرّوا بذلك ، (وَزَهَقَ الْباطِلُ) ، أي : ذهب واضمحل ، (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) ، أي : ذاهبا مضمحلا ، لا يجدي خيرا ، ولا يعقب لأهله نفعا ، والحق هو الذي يعقب ويجدي نفعا لأهله.
ثم قوله : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) لم يفهم أهل الخطاب بمجيء الحق : الانتقال من مكان إلى مكان ، ولا بذهاب الباطل على ما يفهم من مجيء فلان وذهاب فلان ، بل فهموا من مجيء الحق ظهوره وعلوه ، وفهموا من زهوق الباطل وذهابه : فناه واضمحلاله وتلاشيه ، وعلى ذلك لم يفهموا من مجيء الأعراض ما فهموا من مجيء الأجسام والأجساد ؛ فعلى ذلك لا يجب أن يفهموا من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) : الانتقال من مكان إلى مكان ؛ وكذلك لا يفهم من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] استواء الخلق ، ولا من نزوله : نزول الخلق ؛ على ما لم يفهم مما أضيف إلى الأعراض من الأفعال ما فهموا من الأجساد والأجسام ، بل فهموا [من الله غير الذي فهموا من الآخر](٢) ؛ فعلى ذلك لا يفهم مما أضيف إلى الله تعالى ما يفهم مما أضيف إلى الخلق ، بل يتعالى عن أن يشبه الخلق أو يشبهه الخلق في معنى من المعاني ، أو في وجه من الوجوه ، بل هو كما وصف نفسه ؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١] ، وقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنعام : ١٠٠] وتعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) ، كأن الآية نزلت في ابتداء الأمر ، حيث قال : (وَنُنَزِّلُ) ولم يقل : (ونزلنا من القرآن ما هو شفاء).
وجائز أن يكون قوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) : نفس القرآن ، وهو ما ذكرنا.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.