فيشبه أن يكون النعمة التي ذكر هو محمد ؛ لما ذكرنا أنهم كانوا في حيرة وعمى لا يجدون السبيل إلى دين الله ، (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢] فذلك الإعراض الذي ذكروا ، والله أعلم ، فبعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ليدعوهم إلى دين الله ويبين سبيله ، فذلك منه نعمة عظيمة أعرضوا عنها وتباعدوا عنها.
ويشبه أن يكون ما قاله أهل التأويل إنه إذا وسع عليه الرزق والعيش أعرض عن الدعاء له وتباعد بجانبه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) ، أي : يائسا من الخير ألا يعود إليه أصلا ، وهكذا كانت عادتهم أنهم [كانوا](١) يخلصون الدعاء له إذا مسّهم سوء وأصابتهم شدة ، ويكفرون به إذا تجلى ذلك عنهم (٢) وانكشف ، كقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ...) الآية [العنكبوت : ٦٥]. (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ ...) الآية. وأمثاله ، وكان الناس كلهم فرقا أربعة :
منهم من كان مذهبهم ما ذكرنا : أنهم كانوا يخلصون له الدعاء في حال الشدة ويكفرون في حال الرخاء.
ومنهم من كان يؤمن به في حال الرخاء والنعمة ويكفر به في حال الشدة ، كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية [الحج : ١١]. وهم أهل النفاق.
ومنهم من يكفر به في الأحوال كلها كقوله : [...](٣).
والفرقة الرابعة هم أهل الإسلام يؤمنون به في حال الرخاء وحال الشدّة في الأحوال كلها ، على هذا كانوا في الأصل ، وعلى هذا يجيء أن يكون قوله : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) من الأصنام ، كقوله : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧] فيكون إياسهم من الأصنام التي عبدوها.
لكن أهل التأويل صرفوا إلى ما ذكرنا من الإياس عن الخير من [أن يعود إليهم.
وقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) : لسنا نعلم إزاء أي سبب كان هنالك حتى قال : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ؛ إذ إنه يجوز أن يقال هذا بلا سبب كان منهم ، لكن يشبه أن يكون](٤) قال هذا على الإياس من إيمانهم لما لم يزدهم دعاؤه إياهم وكثرة تلاوة
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : لهم.
(٣) بياض في أ ، ب ، وقد نبه عليه الناسخ في حاشية أ.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.