والثالث : يكون تصريف الأمثال التي ذكر دعاءه إلى دين الله وسبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل : ١٢٥].
إلى هذه الوجوه الثلاثة يصرف جميع ما ذكر من الأمثال في القرآن والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) يحتمل أبى أكثر الناس إلا كفورا بالأمثال التي ضربها في القرآن ، وصرفها لهم.
أو يقول : فأبى أكثر الناس إلا كفورا بنعم الله في صرف الشكر إلى غيره ، أو كفورا في وحدانية الله وألوهيته.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً)(٩٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ...).
إلى آخر ما ذكر من الأسئلة ، يشبه أن تكون هذه الأسئلة جميعا من فريق واحد.
ويجوز أن يكون من كل فريق سؤال ، لم يكن ذلك من غيره من الفرق ؛ كقوله : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة : ١٣٥] كان من كل فريق غير ما كان من الآخر ؛ كان من اليهود : كونوا هودا تهتدوا ، ومن النصارى : كونوا نصارى تهتدوا ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأوّل كذلك.
ثم إن الذي حملهم على هذه الأسئلة المحالة الفاسدة وجوه :
أحدها : سؤاله بما كان يعدهم رسول الله الجنان ، والأنهار الجارية ، والبساتين المثمرة إن هم تابوا وأجابوا ، وكان يعدهم العقوبات إن تركوا إجابته من إسقاط السماء كسفا كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ...) الآية [البقرة : ٢١٠] ، سألوه ذلك استعجالا منهم ؛ على الاستهزاء ، كقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨] ، أو أن يكون أهل الكتاب علموا مشركي العرب الذين لا كتاب لهم هذه الأسئلة الفاسدة المحالة التي عرفوا أنهم لا يجابون فيها ليسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنها ، فإنه لا يجيبهم ليرى [السفلة منهم والأتباع أن لو كان رسولا لأجابهم ؛ فيتمادون في طغيانهم وضلالتهم ، ويبغون عليهم ثم عليه.
أو أن يكون الرؤساء منهم والقادة سألوه عن ذلك ، على علم منهم أنه لا يجيبهم ؛