اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، فهذا القول هو فرية ، فتأويله : كبرت الفرية كلمة.
وقد قيل : كبرت المقالة كلمة ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) :
أي : كبرت [كلمة] : تكلموا بها.
أو يقول : كبرت كلمة تتكلمونها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا).
وقال في آية أخرى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، أخبر أنه فاعل ما ذكر ، ولم يقل له ، افعل أو لا تفعل في هذا ، فيشبه أن يكون النهي ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ؛ ولهذا قال بعض الناس : إن في قوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ). نهيا عن الحزن عليهم (١).
وعندنا : ليس يخرج على النهي ، ولكن على التسلي والسلوة.
ثم اختلف في قوله : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) : فى الأسف.
قال بعضهم (٢) : الأسف : هو النهاية في الغضب ؛ كقوله : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] قال أهل التأويل : (آسَفُونا) أغضبونا.
وقال بعضهم (٣) : الأسف : هو النهاية في الحزن ، كقوله : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) ، أي : يا حزنى.
ويحتمل أن يكون منه الحزن ؛ إشفاقا عليهم أن تتلف أنفسهم في النار بتركهم الإيمان ، أو كانت نفسه تغضب عليهم ؛ بتركهم الإجابة ، والقول في الله سبحانه على ما قالوا فيه ، وكلاهما يجوزان ، إذا كان ذلك لله كادت نفسه أن تتلف حزنا عليهم ؛ إشفاقا منهم ، أو كادت تتلف غضبا عليهم ، وفيه دلالة أنه لم يكن يقاتل الكفرة ، للقتل والتلف ، ولكن كان يقاتلهم ؛ ليسلموا حيث كادت نفسه تتلف ؛ إشفاقا عليهم منه ؛ فلا يحتمل أن يكون يقاتلهم للقتل وفي القتل ترك الشفقة ، ولكن كان يقاتلهم ، ليضطرهم القتال إلى الإسلام ، فيسلموا فلا يهلكوا ، وفيه تذكير للمسلمين وتنبيه لهم من وجهين :
أحدهما : ما أخبر عن عظيم محل الذنوب في قلبه ، فلعل ذلك يؤذيه ، فيلحقهم
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥).
(٢) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٨٧٠).
(٣) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٢٢٨٧٣) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٨٢).