اللعن ؛ كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ ...) الآية [الأحزاب : ٥٧] وفي ذلك زجر عن ارتكاب ما يسوءه ، ويؤذيه.
والثاني : تعليم منه لأمته : أن كيف يعامل الكفرة وأهل المناكير منهم ، يقاتلون في الظاهر ، ويضمرون الشفقة لهم في القلب على ما فعل بهم رسول الله ، وعاملهم.
وقوله : (بِهذَا الْحَدِيثِ) سمى القرآن : حديثا ، وهو ما قال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ...) [الزمر : ٢٣] سماه بأسام : قصصا ، وحديثا ، وذكرا ، وروحا ، وأمثاله.
والنهاية في الحزن والغضب للأنبياء ، أنفسهم تقوم لهذين ، وأما غيرهم من الخلائق ، فلا تحتمل أنفسهم إلا لأحدهما إذا كان الحزن ؛ ذهب الغضب وإذا جاء الغضب ذهب الحزن ؛ فالأنبياء هم المخصوصون بهذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) :
اختلف فيما أخبر أنه جعل للأرض زينة :
قال بعضهم (١) : كل ما على وجه الأرض من النبات والشجر والإنسان وغيره هو زينة لها (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، فإن كان التأويل على هذا فيكون قوله : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) القيامة ، يعني : جميع ما على وجه الأرض فتبقى قاعا صفصفا ، وذلك إخبار عن القيامة.
وقال بعضهم : (زِينَةً لَها) : هو النبات الذي عليها ، وما جعل لهم من الرزق ؛ ليبلوهم بما جعل لهم من الأرزاق بالأمر والنهي والعبادات وغيره ، لم يجعل ذلك النبات عليها وتلك الأرزاق مجانا ، ولكن ليختبرهم ويبتليهم بأنواع الامتحان ، فإذا كان كذلك ففيه دلالة : أن ليس لأحد أن يتناول مما عليها إلا بإذن ، ولا يقدم على شيء منها إلا بأمر من أربابها.
وقال أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان : زينة لها : أهلها ، جعل ذلك ، ليبلوهم ، ذكر هاهنا : أنه جعل ما على الأرض ؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملا.
وقال في آية أخرى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢] ثم من الناس من يجمع بين الآيتين ، فيقول : جعل الحياة للابتلاء والموت للجزاء ؛ فيستدل على ذلك بقوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
أخبر : أنه يبلوهم بالزينة والحياة لا بالضيق والموات.
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٢٨٧٥ ـ ٢٢٨٧٦) ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٨٣).