أصحاب الكهف ، فإذا صدقوا ذلك الرجل فيما أخبر أنها من دراهم أصحاب الكهف ، فتصديق الرسل أولى وخبرهم أحق أن يصدق.
والثاني : علموا لما رأوا أنه أنامهم مدة طويلة خارجة عن العادة ، وحفظهم من كل ضرر وأذى وفساد ، وأبقاهم من غير طعام ولا شراب ، على علم منهم أن الأنفس لا تبقى ولا تقوم بغير طعام ولا شراب بدون تلك المدة بكثير ، فضلا أن تبقى إلى مثل تلك المدة ؛ فعلموا أن من قدر على حفظ ما ذكرنا وإبقائهم ، لقادر على البعث والإحياء ولا يعجز عن شيء يريد كونه ، وأنه فعال لما يريد.
والثالث : علموا أن ذلك حق ؛ لما رأوا أنه أنامهم وقتا طويلا ، وحفظهم عن جميع الآفات ، ثم بعثهم وأحياهم ـ أنه لم ينمهم ولم يبعثهم إلا لعاقبة تتأمل وحكمة تقصد ؛ فعلى ذلك إحياء الخلق وإماتتهم ليس إلا لعاقبة تتأمل وحكمة تقصد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) :
لسنا ندري في ما ذا تنازعوا في أمرهم فيما بينهم :
أقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) ، أو تنازعوا في السبب الذي به التجئوا إلى الكهف؟
ويشبه أن يكون تنازعهم في البناء الذي ذكر في المسجد وغيره ، ويحتمل في عددهم ونحوه ، ولكن لا نقطع القول فيه ؛ إذ وكل أمرهم إلى الله حيث قال : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، ثم قوله : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) يحتمل بناء المسجد عليهم إكراما لهم وإعظاما ؛ ليذكروهم في ذلك المكان على قرب منهم ، على ما ظهر عندهم من إكرام الله إياهم.
أو يتخذون مسجدا لعبادة أنفسهم ، ليعبدوا الله على قرب منهم ؛ ليسألوا من بركتهم ونحوه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً