ثم قول (آيَتَيْنِ) ، والآية علامة ، وعلامتهما لا تعرف إلا بالتأمل والنظر فيهما ؛ فعلى ذلك [لا يفهم](١) مراد ما في القرآن والمعنى المودع فيه ـ إلا بالتأمّل والنظر فيه.
وفيهما دلالة نقض قول أصحاب الطبائع وأصحاب النجوم والدهرية وجميع الملاحدة :
أمّا نقض قول أصحاب الطبائع : لما ذكرنا من اتساق مجراها على سنن واحد وأمر واحد ، دلّ أنه بالتدبير صار كذلك لا بالطبع. وأمّا نقض قول أصحاب النجوم [لما جعل النجوم](٢) مسخرة لمنافع الخلق ومغلوبة يغلبها ضوء الشمس ونور القمر حتى لا ترى ؛ دلّ أنه لا تدبير لها وأن التدبير لغيرها. وعلى غيرهم من الملاحدة ما ذكرنا من اتصال منافع هذا بهذا ومنافع هذا بهذا ، دلّ أنه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).
يحتمل الفضل الذي ذكر : الرزق والمعاش الذي ذكر في آية أخرى : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [النبأ : ١١] ، ويحتمل أنواع فضل تكون في الدّين.
(وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ).
هو ما ذكرنا أنه بهما يعرف [عدد السنين والحساب](٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً).
يحتمل التفصيل تفصيل آية من أخرى ، أي : لم يجعلهما آية واحدة ؛ على ما ذكر.
وقال الحسن : أي فصل بين ما أمر عباده ونهاهم ، أي : بين وفصل ما يؤتى ممّا يتّقى ، و (فَصَّلْناهُ) : أي : فصله تفصيلا لم يتركه مبهما ؛ بل بين غاية البيان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
اختلف في قوله : (طائِرَهُ) :
قال بعضهم (٤) : (طائِرَهُ) : شقاوته وسعادته ، ورزقه وعيشه.
وقال بعضهم (٥) : عمله الذي عمل من خير أو شر.
وقال بعضهم : حظه ونصيبه من عمله ، وهو جزاؤه ونحو ذلك ، فذلك كله يرجع إلى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢١٣٧) ، وعن قتادة (٢٢١٣٨).
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢١٣٢) و (٢٢١٣٣) وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٠٣) ، وهو قول مجاهد وقتادة.